طلال سلمان

سلطة تعيد اعتبار الى ابطال حرب اهلية

تتميّز السلطة القائمة في لبنان برؤوسها المتعددة والمتناقضة في ما بينها إلى حد التخاصم (والتشاتم؟!) والاشتباك العلني بكفاءة نادرة في هدر رصيدها (المحدود أصلاً) وتزكية خصومها، وصولاً إلى إعادة الاعتبار بالقوة!! لمن كانوا في حكم المنبوذين شعباً ومدانين بعدائهم المكين لوحدة الشعب وسلامة الوطن.
ومن حق »المعارضات« المختلفة، لا سيما تلك التي فقدت شرعيتها ومشروعيتها عبر القمع الدموي المفتوح لكل من خالفها الرأي أو اعترض على تبعيتها المهينة للعدو الإسرائيلي تارة ولأغراض السياسة الأميركية في الهيمنة على المنطقة، طوراً، أن تتوجه بالشكر العميم لهذه السلطة التي تعيد إنعاشها كلما دخلت في غيبوبة النهاية، وترمم بناءها المتداعي كلما همّ بالسقوط.
لا يحمي القمع الفشل ولا هو يحوّله إلى نجاح،
والسلطة التي سقطت في ادعاءاتها بأنها ستنقذ لبنان من أزمته الاقتصادية الخانقة، بكل مفاعيلها الاجتماعية الخطرة، فزادت بالنتيجة من حدتها..
السلطة التي ادعت أنها إنما جاءت لتنقذ لبنان من الطائفيين، فزادت من إغراق اللبنانيين في حمأة مستنقع طائفي تكاد تنعدم معه فرص النجاة.
السلطة التي تحاول تغطية فشلها في أداء مهمتها الداخلية البديهية في ضرب الفساد ووقف الهدر وإنهاء عصر تقاسم المنافع والمغانم وفق قواعد طائفية ومذهبية، تبني مواقف ذات صدى وطني، على الصعيد الخارجي، لا تغني ولا تشبع من جوع..
هذه السلطة التي لا تعرف كيف تربح تأييد شعبها، بل ولا تعرف كيف تحتفظ بالذين ارتضوا بها لأسباب تتصل بهويتها السياسية أكثر مما بكفاءتها في إدارة لعبة الحكم، بما يحقق الحد الأدنى من المصالح الوطنية، تعرف تماماً كيف »تخدم« خصومها، وكيف ترمم ما تهالك من رصيدهم الطائفي، وكيف تفتح لهم »الشارع« بعدما خسرته، لنقص في كفاءتها السياسية، هذا إذا ما افترضنا فيها حسن النية..
ليس هكذا يُقاتَل المخطط الأميركي، والناس كل الناس تعرف أنه »شرير« وأنه يتقدم لوضع اليد على »الشرق الأوسط الكبير« على اتساعه..
وليس هكذا يحمى ظهر سوريا، إذا كان هو الهدف الفعلي من هذه الممارسات المؤذية لسوريا بمثل إيذائها للبنان وأكثر.
وليس هكذا تحمى »صورة لبنان المقاوم«، وتُواجه بالتالي نزعة الهيمنة عند الحكومة الشارونية في إسرائيل، وخطتها في استخدام لبنان لمحاصرة سوريا أو لاستدراجها إلى معركة غير متكافئة، ووفق الشروط الإسرائيلية زماناً ومكاناً وسلاحاً.
ولا يحتاج اللبنانيون إلى أدلة جديدة لإدانة عهد أمين الجميل الذي أغرق بلادهم الجميلة بدماء أهلها، والذي تسبب في التهجير والفرز الطائفي وإفراغ الخزينة من مدخراتها لشراء ذخيرة وجهتها المدافع الأميركية بالطلب، وبالقطعة إلى صدور مواطني »الرئيس الذي أدهش العالم«!
كذلك لا يحتاج اللبنانيون إلى براهين جديدة على شبق العماد ميشال عون إلى السلطة، وإلى عقله الانقلابي، وإلى تهوره الذي جعله يوجه مدافعه، في مثل هذه الأيام من خمس عشرة سنة مضت، إلى صدور مواطنيه الذين كانوا قد قبلوه كقائد للجيش، لكنهم رفضوا تقبّله كدكتاتور.
والمواجهات الأخيرة مع الطلبة لا يمكن تبريرها ولا يمكن قبولها،
فبديهي أن يلجأ »العونيون« و»جماعة أمين الجميل« إلى الصدام مع السلطة ولو محدوداً لنقل المسألة من احتجاج طلابي إلى اعتراض سياسي على النهج الرسمي المعتمد من السلطة القائمة، بقصد استدراج جميع قوى الاعتراض إلى مواجهة السلطة القمعية والمعادية للحريات« وإلا اتهمت في نزعتها الديموقراطية أو أدينت سلفاً بأنها »موالية لسوريا«… كأنما شرط الولاء للبنان تأييد عون أو الجميل.
ولو أن عون والجميل كانا يخوضان معركة سياسية للتغيير باستغلال النقص في كفاءة الحكم وتقديم برنامج أكثر تلبية للاحتياجات الشعبية لكان منطقياً أن يحظيا بالعطف والتأييد حتى ممن لا يقرون تماماً بسلامة تجربة أي منهما في السلطة.
لكن اللبنانيين جميعاً شهدوا بالعين المجردة كيف وضع هذان »السابقان« نفسيهما في خدمة الخطط الأميركية للهيمنة على المنطقة بكاملها، وكيف استخدما كأدوات رخيصة في الحملة الضارية على سوريا، وهي حملة تصيب لبنان بالأذى بأكثر مما تصيب سوريا بالنتيجة.
وليست شهادة جدارة للسلطة القائمة ان تثبت انها أفضل من سلطة الجميل أو سلطة الجنرال عون،
كذلك فإن تحويل عون إلى »فزاعة« لإخافة اللبنانيين حيلة ساذجة لا يمكن ان يقبلها عقل… فالسلطة هي التي تحول عون من خرافة إلى واقع سياسي مقلق لها. كذلك فالسلطة هي التي أعادت إحياء أمين الجميل بعدما رغب الناس في ان ينسوا عهده الميمون بكل »مآثره« الدموية وإنجازاته الاقتصادية الباهرة.

ان الطبيعي في الطلاب ان يكونوا من أهل الاعتراض،
والبديهي في الطلاب ان يرفعوا أصواتهم في الاحتجاج على انسداد آفاق الأمل أمام حقهم في مستقبل يوفر لهم الحياة الكريمة في »وطن« لا في مزرعة يتقاسم منافعها أصحاب النفوذ، ولا في كانتونات طائفية لا تسلس قيادها إلا لمن يندفع في طائفيته إلى حدود العنصرية..
ثم.. لماذا يراد ان يقبل اللبنانيون من أهل السلطة ان يجهروا بطائفيتهم باعتبارها »حقوقاً شرعية« ثم يحاسب عون والجميل على تسعيرهما الشارع بشعارات طائفية.
ان هذه السلطة العاجزة عن وقف التدهور الاقتصادي بكل نتائجه الاجتماعية هي التي تسلم أجيالنا الجديدة، اليائسة من التغيير، والفاقدة الأمل في نيل فرصة عمل كريمة تتناسب مع كفاءتها ان لم يكن لها سند من زعامة طائفية نافذة، الى زعامات طائفية تجدد شبابها بأخطاء السلطة القائمة.
هذه السلطة العاجزة عن الاحتفاظ بتأييد »جمهورها« الطبيعي لا يمكن ان تكون سنداً لغيرها، كما لا يمكنها ان تواجه ضغوطاً خارجية كالتي تمارسها الإدارة الأميركية، فضلاً عن العدو الإسرائيلي.
لكأنما يتلاقى مجدداً أبطال الحرب الأهلية، عبر تأجيج مناخ السموم الطائفية،
فبعض أهل السلطة يتبادل الخدمات مع الطائفيين من حكام الماضي معارضي اليوم بالشعار الطائفي.
والوطن، وليس فقط السلطة، يكاد يضيع بين الطائفيين من أهل السلطة الحاليين، والطائفيين من أهل السلطة السابقين الذين يجدون في القائمين بالأمر الآن حلفاء صادقين وشركاء ممتازين!

Exit mobile version