طلال سلمان

سلام لاسرائيل

لولا بقية من الرصانة التي تفرضها »الرسميات« و»الأصول« في العلاقات بين الدول، لأمكن قراءة البيان المشترك الذي صدر في ختام زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود باراك والرئيس الأميركي بيل كلينتون، على أنه في استهلاله »قصيدة غزل«، أو مناجاة وجدانية بين عاشقين، وفي ختامه إعلان حرب أميركية إسرائيلية مشتركة على من يعاند أو يقاوم أو يتصدى أو يعرقل من العرب »المصالحة التاريخية« بين الجلاد والضحية بشروط الجلاد المعززة بأسباب التفوق المطلق أميركي المصدر والتمويل!
لم يحدث في تاريخ العلاقات بين الدول أن تضمنت أدبياتها السياسية، وبينها البيانات المشتركة والمعاهدات وصكوك التحالف، تعابير من نوع »رفع الصداقة والتعاون إلى مستوى أرفع من الشراكة الاستراتيجية«.
بالرفاه والبنين، يقول من يقرأ!
… أو النص صراحة على أن العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية، سيدة الكون المتوّجة كقاتلة للأطفال والنساء والرجال في العراق، وكمدمِّرة لأسباب التحضر والمدنية في يوغوسلافيا، هي »علاقة فريدة« في بابها، ثم التعهد بتقويتها وتعميقها.
في ما يتعدى العاطفة المشبوبة فإن البيان المشترك يحدد شروطا »حربية« للسلام مع العرب تجعله دون مستوى اتفاقات الإذعان!
ف»الشراكة الاستراتيجية« بين واشنطن وتل أبيب تقدم الإسناذ لمسعاهما المشترك من أجل »وضع حد للصراع العربي الإسرائيلي«.
أي لا وساطة ولا وسيط، ولا ضمانة ولا ضامن، ولا رعاية ولا راع لعملية »السلام« طيبة الذكر، بل قسر وإكراه للطرف »الثالث« الغائب (أي العربي) لكي يخضع فينهي مطالبته بحقوقه في أرضه ويُسقط دعواه ضد »الغاصب« الإسرائيلي، ويمتنع عن اتهام الولايات المتحدة بالتحيّز، حتى وهي تلوي ذراعه لكي يوقّع بقلمه المكسور، ويُخرج نفسه من دائرة الصراع ليستنقذ رأسه!
ومن موقع »العلاقة الفريدة« التي هي »أرفع من مستوى الشراكة الاستراتيجية« مع إسرائيل، ستكون الولايات المتحدة مستعدة للمساعدة والمساهمة بكل وسيلة يمكنها أن تحقق »المصالحة التاريخية« بين العرب والإسرائيليين، وتدفع »نحو عصر جديد..«.
.. وهذه »العلاقة الفريدة« تشكل »حجر الزاوية للسعي نحو السلام«،
فلك أن تتخيل أي »سلام« يمكن أن تنجبه هذه العلاقة الفريدة بين المهيمن الإقليمي والمهيمن الكوني،
بمعزل عن عبارات الغزل والوجدانيات فإن البيان المشترك هو أقرب ما يكون إلى إعلان حرب، منه إلى التعهد بمواصلة السعي الى سلام!
وأي »سلام« يمكن أن يتحقق للعرب، في أرضهم، في ظل التعهد الأميركي المتجدد ليس فقط بضمان تفوق إسرائيل عسكريا على مجموع العرب، بل كذلك باصطحابها الى الفضاء وإشراكها بمكتشفاته وإمكان استخدامه، لأي غرض، وتعزيز ترسانتها الحربية بأحدث الطائرات وأقوى الصواريخ المضادة للصواريخ بما يجعلها »دولة عظمى« بكل المعايير والمقاييس،
انها محاولة لجعل العرب يقبلون »بالسلام« المعروض لسبب اوحد هو انهم غير قادرين على مواجهة الحرب، وبالتالي فلا خيار لهم او امامهم الا قبوله مرغمين!
»فالسلام« مع اسرائيل، بالصيغة المطروحة، هو »السلام« مع الولايات المتحدة الاميركية، ورفضه يعني التصادم مباشرة مع الولايات المتحدة التي ازالت اي حاجز وهمي يفصل بينها وبين اسرائيل،
السلام الاميركي المعروض هو هو السلام الاسرائيلي، ووداعاً لمؤتمر مدريد والضمانات والتعهدات ودور الراعي والضامن والوسيط النزيه!
ان واشنطن تقول للعرب، ببساطة: ان لا خيار امامكم إلا الصلح بشروط الاقوى منكم مجتمعين! فان رفضتم هذا الصلح الاسرائيلي كنتم كمن يعلن الحرب على الاميركيين!.
والكلام موجه للصامدين من العرب، وليس لموقعي اتفاقات الاذعان على امتداد العشرين سنة الماضية.. فمن وقع غير معني بالعرض الجديد، ولا حق له بالاعتراض، ومن لم يوقع بعد عليه ان ينتبه الى الفارق النوعي بين اسرائيل المحمية الاميركية في 1973 أو في الاعوام 1979 و1993 و1994 وبين اسرائيل التي تربطها بالولايات المتحدة في العام 1999 صداقة تتجاوز »الشراكة الاستراتيجية«.
ليست اسرائيل الآن محمية اميركية، بل هي تكاد تكون الولايات المتحدة بالذات، من صادقها فقد صادق واشنطن ومن عاداها فقد عادى الاميركيين جميعاً،
التواقيع تبهت بمرور الزمن، وكذلك التعهدات والضمانات التي ان لم تنفذ في حينها سحبت من التداول اذ هي لا تعود ملزمة لاصحاب التواقيع.
البيان الاميركي الاسرائيلي المشترك ليس اعلان نوايا، انه اشبه بإعلان حرب، حتى لو اطلقت في اعقابه تعابير مسكنة عن الاتصال بالاطراف العرب، ولا سيما سوريا، لطمأنة من اهاجت مخاوفه »الوحدة« في الموقف والتطابق في النظرة الى »السلام« والى »المصالحة التاريخية« والى »وضع حد للصراع العربي الاسرائيلي«.
لقد باشر »الجنرال« باراك حربه من واشنطن هذه المرة، وتحت لافتة »الحل الشامل« او »التصفية النهائية«،
ومن أسف ان العرب سيخوضون هذه الحرب أيضا كما تدل الاشارات الاولى متفرقين، مما يضعف أملهم في تحديد الخسائر، في الجغرافيا كما في التاريخ.
ومن لن يقدر على مواجهة الحرب المفروضة لن يأتيه »السلام« الموعود!
طلال سلمان

Exit mobile version