طلال سلمان

سلاطين عرب بين فيل حمار

… فأما لبنان ففي شغل شاغل عن انتخابات الرئاسة الاميركية ونتائجها المحتملة، وماذا تعني هذه بالمقارنة مع معركة تأمين الثقة، وبأكثرية مقبولة، للحكومة الجديدة، واستطراداً للتمديد؟! ان هذه المعركة سوف تحسم، سلفا، »صورة« القانون الجديد للانتخابات والتقسيم الجديد للدوائر، وهي ستقرر شكل المجلس النيابي العتيد والزعامات والكتل التابعة فيه، ومن ثم هوية رئيس الجمهورية التالي، وبالاستطراد »هوية« الحكومة المقبلة التي قد تعمر فيكون لها شرف القرار في الدعوة الى انتخاب خليفة اميل لحود، مع نهاية سنته التاسعة على قمة السلطة في لبنان الديموقراطي… حتى العظم!
وأما الدول العربية الاخرى فإنها لا تبدو شديدة الاهتمام بنتائج الاقتراع الاميركي الفريد من نوعه في العالم… ففي تقدير السلاطين العرب، الذين تستفزهم كلمة »الانتخاب«، ويستعصي عليهم فهم العملية الانتخابية المعقدة في بلاد »الصديق الأكبر«، أنه أيا يكن الفائز فيها فإن السياسة الاميركية ازاءهم ستبقى هي هي ولن تتغير!! ذلك انهم ومنذ عهد بعيد قد استبعدوا او تجاوزوا طموحهم الى دور »المحاور« او »المعترض« او »المخاصم« ناهيك بدور »المقاتل« لانتزاع الاعتراف به »حليفا«، واكتفوا بأن يكونوا في موقع »المنسي« و»المهمل« لان الاهمال ضمانة للبقاء، وما نفع ان يصنفوا »مهمين«، او ان يطمحوا الى دور »الشريك« فيكون الثمن الاستغناء عن خدماتهم واستبدالهم بأي طامع، قد يكون على الارجح من صلبهم ولكنه اذكى من القائمين بالأمر، وابرع في اثبات ولائه لمن يكلف الخلاف معهم الرأس والثروة والسلطان؟!
ثم إن السلاطين العرب قد تعلموا »الدرس« من تجاربهم السابقة: فلا الموافقة لها تأثير ولا الاعتراض، لا التأييد ينشئ علاقة مميزة ولا الجهر برفض هذا المرشح او ذاك، مهما كانت مبررات الرفض.
ولقد بات مفهوماً ان المرشح الاميركي لا يحتاج الى استذكار هذه »الدول« العشرين او يزيد، ولا ضرورة لان يعرف اسماء سلاطينها… بل إن هؤلاء السلاطين يتمنون، بدورهم، ان ينساهم رئيس كل الرؤساء وسلطان العالم فلا يتذكر منهم او عنهم إلا ما يريحه ويجعله يديم سلطتهم، أدام الله ظله على الكون!
وبالتالي فليس شخص الرئيس هو المهم بل رضاه، وماذا يعنيهم هم ان يكون جمهوريا ام ديموقراطيا، وما الفرق في ان يكون قائدهم الكوني فيلا ام حمارا، ليترك هذا الشرف للاميركيين فهذا أولا وآخرا شأن اميركي داخلي، ونحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى!.
أما بالنسبة الى من يدعون الفهم في الشؤون الدولية، فليس ثمة فرق يمكن التوقف امامه بين الرئيس الجمهوري والمرشح الديموقراطي: في فلسطين تطابق مطلق، وفي العراق تمايز محدود جداً، ومع لبنان وسوريا يكاد الموقف ان يكون واحداً، لا سيما إذا امتد التحليل الى الموقف من »حزب الله« ومبدأ مقاومة الاحتلال، عموما، اسرائيليا كان ام اميركيا.
وأما بالنسبة الى النفط العربي فالموقفان يتطابقان تقريباً في الدعوة الى ضرورة التحرر من الحاجة إليه كمدخل للهجوم على السعودية وإبطال الضغط العربي، بالنفط، ولو كان محدوداً.
إن سلاطين العرب غائبون عن الوعي فكيف يحضرون في الانتخابات الرئاسية الاميركية؟
انهم لا يكادون يميزون بين الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي، ويجهلون طبيعة التيارات الفاعلة في كل من الحزبين.
ثم، هل يجوز الحديث عن موقف عربي من الانتخابات الاميركية، بينما لم يعد هناك في السياسة كما في الاقتصاد وفي الافكار والعقائد كما في العمل العسكري ما هو مشترك، فعليا، بين الدول العربية؟
صحيح ان الاكثرية الساحقة الماحقة من السلاطين هم مع الادارة الاميركية، أي ادارة وبغض النظر عن هويتها الفكرية وعن طبيعة علاقتها بقضاياهم ولكن لكل سلطان »خطه« المستقل لا يقبل فيه شريكا ولو كان الشريك أخاه، بل إن بعضهم يعمل كل ما في وسعه لكي يمنع »أخاه« من الوصول، ومن انشاء او توطيد علاقته بالادارة، وغالبا ما يدس على الآخرين او يفضح نواياهم او يكشف تاريخهم السري حتى يبعدهم لعله يحظى بالمرتبة الاولى وبالرعاية الكاملة.
يكفي ان نستذكر بعض الوقائع، ومنها:
هل للسلاطين العرب موقف ما (ولا نقول: موقفا موحدا) من فلسطين وما يجري فيها وما يدبر لها، بغض النظر عن الوضع الصحي الطارئ لياسر عرفات؟
لقد نسيها الكثيرون، ولم ينفك البعض يتآمر عليها.
ولكم كان مهيناً الا يستطيع كل هؤلاء القادة العرب، مجتمعين ومنفردين، أن يحصلوا »لأخيهم« و»زميلهم« الرئيس الفلسطيني، المعلق مصيره بين الموت والحياة، على ضمانة دولية تجبر اسرائيل على اعطائه »تأشيرة خروج وعودة« لكي يذهب للعلاج ثم يرجع الى بعض البعض من ارضه الذي كلفه الحصول عليه التنازل عن الكثير الكثير من القضية، وقد كانوا معه في التنازل، بل إن معظمهم قد زيّنه له وحرّضه على ارتكابه، ثم أنكره بعد ذلك!
وهل للسلاطين العرب موقف ما، أي موقف، من مأساة العراق تحت الاحتلال، ومن أبواب جهنم التي يتسبب الاحتلال في فتحها ويدفع بالعراقيين إليها، لعل الفتنة تتفاقم إلى حرب أهلية دينية/ طائفية/ مذهبية/ عرقية/ جهوية تذهب بوحدة أرض الرافدين، شعباً وكياناً سياسياً ودولة وخزاناً عظيماً للنفط… ثم قد تمتد بعده إلى »دول الجوار« التي لا يختلف تكوينها كثيراً عن العراق؟!
بل هل للسلاطين العرب موقف موحد من موضوع »طارئ« مثل عرض »المسألة اللبنانيةَ« بتفاصيلها الداخلية على مجلس الأمن الدولي واستصدار القرار 1559 الذي سرعان ما شرحه تقرير كوفي أنان، ثم أعيد تثبيته بالبيان الرئاسي، والذي اتخذ من موضوع تفصيلي كتعديل الدستور سبباً لتحديد مواقف لا يمكن قبولها من مقاومة الاحتلال (ممثلة ب»حزب الله« الذي أشير إليه كميليشيا) أو الوجود الفلسطيني وضرورة تجريد المخيمات من السلاح، وانتهاء بالعلاقات مع سوريا التي لها مرتكزات قانونية واتفاقات ومعاهدات تنظمها من حيث المبدأ، والتي حتى لو داخلها خلل فإن مرجعها يبقى حكومتي البلدين..
هل من المبالغة القول إن »الصوت العربي« الوحيد في الانتخابات الأميركية هو أسامة بن لادن، الذي يرى المراقبون انه قد »اختار« مرشحه الأثير فإذا هو جورج .و. بوش؟!
وعلى هذا فقد اصيب السلاطين العرب بحرج شديد؛ فهم يخافون ان يظهروا وكأنهم على وفاق (أو تفاهم) مع بن لادن على اختيار الرئيس الأميركي الجديد، كما انهم يخافون منه ومن »مرشحه« إذا ما ظهروا وكأنهم يختلفون معه عليه.
… وأمثال الحكمة الشعبية لا تنضب، وعلى هذا فإن معظم السلاطين العرب سيتعاملون مع الانتخابات الأميركية بمنطق المثل الشعبي القائل »مين ما أخذ امي أقول له يا عمي«.
والكل يلبس، منذ اليوم، الثياب الجديدة للذهاب للتهنئة … متى عرف اسم الفائز!!

Exit mobile version