طلال سلمان

سعد حريري في بيت ابيض موعد بتاريخة ودلالات عيد

هي مصادفة قدرية، على الأرجح، ولكنها غنية بالدلالات التي يضفيها عليها عبق التاريخ، في موعدها، 24 أيار، وفي موضوعها، مما يتيح الفرصة أمام رئيس الحكومة في وطن صغير، كلبنان، أن يدخل البيت الأبيض برصيد استثنائي من الزخم المعنوي ندر أن تمتع به ضيف آخر، لا سيما من بين زواره العرب، وما أكثرهم.
إن الباب مفتوح للقاء غير تقليدي بين الرئيس الأميركي باراك أوباما، ورئيس حكومة لبنان، الشاب المثقل بالذكريات، وفيها المأساوي، لكن فيها أيضاً ـ قبل ذلك ومعه ـ ما يملأ الصدر اعتزازاً بالوطن الصغير وأهله ومقاومته الباسلة، سعد الدين رفيق الحريري.
ففي مثل هذا اليوم لعشر سنوات مضت، 24 أيار 2010، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تنسحب، مع الليل، وبغير سابق إنذار، من الأراضي اللبنانية (إلا أقلها في مزارع شبعا)، وهي في حالة من الارتباك التي تفضح «هزيمتها» أمام مجاهدي المقاومة الذين خاضوا ـ بإرادتهم وإيمانهم كما بكفاءة تنظيمهم ـ معركة التحرير، معززة باحتضان أهلها وصمودهم البطولي ودعمهم المفتوح… ولقد تعاظمت فضيحة الانسحاب المباغت مع الاكتشاف المدوي: لقد «نسي» جنرال الانسحاب الإسرائيلي إبلاغ عملائه في «جيش لحد» قراره الدراماتيكي ففضح ـ إلى خيانتهم أرضهم وأهلهم ـ هزال تنظيمهم وتبعيتهم المطلقة للاحتلال، مما عزز صورة النصر المجيد الذي صيّره الشعب عيداً وطنياً ثم استدرك الرئيس سعد الحريري الخطأ الذي ارتكبه سلفه فجعله «عيداً رسمياً» عشية مغادرته إلى واشنطن.
ربما لهذا، وما تداعى بعده من أحداث، يستطيع الحريري، لو شاء، أن ينظر الرئيس الأميركي في عينيه وهو يشير إلى الحرب الإسرائيلية في تموز 2006، التي كان قرارها أميركياً بالدرجة الأولى، ملمحاً إلى أن نصيب الولايات المتحدة من مردود فشلها في تحقيق أهدافها، الذي انعكس انتصاراً مجيداً للبنان ممثلاً في الصمود البطولي لمجاهدي مقاومته طيلة 33 يوماً من الحرب التي لم يوفر فيها العدو الإسرائيلي سلاحاً أميركياً إلا واستخدمه، لا يقل إن هو لم يزد عن المردود السلبي عما جنته منها إسرائيل.
يستطيع سعد الحريري أن يشد قامته وأن يتحدث ورأسه مرفوع وبلهجة لا يعشش فيها الخوف من «الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر»، نتيجة الدعم الأميركي المفتوح… تماماً كما فعل رئيس الجمهورية ميشال سليمان في لقائه والرئيس أوباما.
.. وألا تصبح الزيارة للصورة، وتفقد النتائج المتوخاة منها، إن كان ثمة ما يمكن توقعه من نتائجها.. خصوصاً أن المناورات العسكرية الشاملة التي يجريها الجيش الإسرائيلي هذه الأيام إنما تستخدم الفشل في حرب تموز ذريعة لإجرائها، والاستعداد لحرب جديدة أعظم تدميراً، إذ تحكمها عقدة التعويض عن انهيار الأمجاد التي بناها الجيش الإسرائيلي من رصيد الهزائم العسكرية العربية.
ذلك أن سعد الحريري لا يزور واشنطن باعتباره زعيماً سياسياً في بعض لبنان، أو قائداً لتنظيم أو تيار أو حزب يمثل فئة من اللبنانيين، وإلا لما كانت الزيارة ولا تم استقبال الرئيس الأميركي له. إنه الآن رئيس حكومة الوفاق الوطني في لبنان… لبنان الذي بات كبيراً بمقاومته وصموده البطولي وصد الحرب الإسرائيلية المدمرة التي قادتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كونداليسا رايس، من غرفة عمليات الجيش الإسرائيلي.
هذه واقعة حقيقية. ولربما كان الفشل المدوي الذي حققته إسرائيل فيها بين أسباب انتصار الرئيس باراك أوباما على الإدارة السابقة التي تولت قيادة الحرب على لبنان.
يمكن استخلاص الكثير من الدلالات المعززة لموقع لبنان، من ذلك الفشل الإسرائيلي الذي حظي بدعم أميركي مفتوح، والذي تمت في ضوء نتائجه تعديلات عدة على خطط الحركة في «منطقة الشرق الأوسط» التي تعصف باستقرارها صراعات متعددة، يحتل فيها الاحتلال الأميركي للعراق موقع المتسبب وبالتالي المسؤول عن الانهيارات التي تنذر بإشعال مسلسل من الحروب الأهلية المفتوحة في هذه المنطقة التي كانت محطة للتحولات التاريخية، بقدر ما كانت ضحيتها.
ولبنان مرشح لأن يكون بين ضحايا تلك الحرب الأهلية لو تفجرت، لا سمح الله.
وباختصار: فإن سعد الحريري في واشنطن ليس فقط رئيس حكومة للوطن الصغير، لبنان، بل إن بوسعه أن يكون ممثلاً للحظة انتصار نادرة، في هذا الزمن العربي الرديء، ويمكنه ـ بالتالي ـ أن يقول ما ينبغي أن يسمعه هذا الرئيس الأميركي المهجن الذي قال في خطابه الاحتفالي في جامعة القاهرة كلاماً جميلاً في العرب والمسلمين سرعان ما طمست الضغوط الإسرائيلية (والأميركية الداخلية) بريقه فصار من الذكريات التي يتمنى لو ينساها.
أما بالنسبة لنا في لبنان، وللعرب جميعاً، فإن النسيان يعادل الخيانة العظمى.

Exit mobile version