طلال سلمان

سخاء بيريز وبخل البيريزيين العرب!

تعجز »السياسة« عن توصيف العلاقة الفريدة في بابها التي تجمع بين الرئيس الأميركي بيل كلينتون ورئيس الحكومة الإسرائيلية شمعون بيريز.
والأرجح أن تفسيرها يحتاج إلى علماء راسخي القدم في مجال الطب النفسي لاستكشاف »العقدة« التي تحكم هذه العلاقة وتعطيها الأبعاد الخطيرة التي تتبدى يوميù في المزيد من الاتفاقات والمساعدات والهبات التي تغدق على إسرائيل بما يفيض فعلاً عن حاجتها ويربك سياساتها »السلمية« و»مجتمعها« الحربي..
ومن حق »الوطنيين« الإسرائيليين أن يحتجوا وأن يعترضوا وأن يشعروا بكثير من الحرج لسخاء هذا الصديق الكبير الذي تجاوز كل حد.
إن بيل كلينتون »متفرغ«، منذ اغتيال إسحق رابين، على الأقل، لمعركة شمعون بيريز الانتخابية.
وهو يضع طاقات الولايات المتحدة الأميركية، بغير استثناء، وبما في ذلك أسلحتها الفائقة التطور التي لم تستخدمها بعد القوات الأميركية ذاتها، في خدمة »رجل السلام« الإسرائيلي شمعون بيريز.. (أين سيجدون حقل تجارب أفضل من قانا والنبطية وصدّيقين والمنصوري).
لقد جاء كلينتون بنفسه مرتين إلى تل أبيب خلال ثلاثة أشهر، مستقدمù معه العالم كله، وعقد »على نية« بيريز قمة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها إن في موضوعها أو في سرعة انعقادها أو في محدودية هدفها،
ثم إنه فرَّغ له وزير خارجيته وارن كريستوفر لمدة أسبوع كامل، ومعه أركان وزارته، لكي يجدوا له المخرج المناسب من مأزق حربه غير المبرّرة وغير المحددة الأهداف ضد لبنان،
وها هو الآن، ومن أجله، يخرق البروتوكول والأعراف، ويستقبل ياسر عرفات في البيت الأبيض، في حركة انتخابية مكشوفة إلى حد الابتذال، برغم الوسام الجديد الذي علّقه بيريز على صدر الرجل الذي تحوّل من »ثائر باسم التحرير« إلى »شرطي لحماية الاحتلال«، حين أثنى على »ديموقراطيته«.
… ديموقراطية عرفات الآتي وسجون »سلطته« مزدحمة بالمعتقلين بغير محاكمة، والموقوفين على الشبهة ممَّن رفضوا إظهار حبهم لإسرائيل وتأييدهم لشمعون بيريز، بطل حصار التجويع والإذلال المفروض على فلسطينيي الداخل جميعù.
لقد بات كلينتون »طرفù« في الصراعات الحزبية الإسرائيلية،
وإذا كان هذا الأمر يخص الأميركيين والإسرائيليين، فإن كلينتون »المحارب« مع جيش بيريز ضد لبنان هو أمر يخص أولئك الحكّام العرب الذين فوّضوه مصير أوطانهم، والذين سلَّموه أختامهم لكي يستخدمها للتصديق على أي تنازل إضافي قد يحتاجه شمعون بيريز في معركته الانتخابية.
إن بيل كلينتون يذهب في العداء، لمن يواجه صديقه »شمعون«، إلى أبعد مما يذهب بيريز نفسه…
وأمس، وبينما كان لبنان يشيِّع شهداءه من ضحايا الاغتيالات الجماعية الإسرائيلية، كان بيل كلينتون يتورط في مواقف غير أخلاقية ولا تليق برئيس دولة عظمى، وهو يحاول مسح الدم عن سكين »حبيبه« القاتل.
وفي حين توقف كرم بيل كلينتون، ازاء لبنان، عند حدود المليون دولار، وكمساعدات إنسانية، فلقد تقدمه بيريز بأشواط وهو يعرض مساعدة إسرائيل على إعادة بناء الجنوب الذي هدمته مزايداته الانتخابية و»بطره« بالغطاء الأميركي الذي لا يفيد كثيرù في إبهار الناس بذكائه!!
ولعل هذا التبرع البيريزي النادر المثال يحفز سلاطين العرب، من أتباع بيريز ومناصريه، على التقدم خطوة والتجرؤ على تقديم مساعدات جدية لضحايا اعتداءات »زعيمهم« الجديد، تتجاوز البطانيات وفرش الاسفنج وسيارات الاسعاف والحصص الغذائية!
أيكون أصدقاء بيريز العرب أعظم بخلاً من رئيس الحكومة في »دولة يهود العالم«؟!
.. وهل يظهرون السخاء العربي فقط مع إسرائيل والبخل اليهودي مع إخوتهم العرب إجمالاً، وفي لبنان على وجه الخصوص؟!
أليس بالإمكان المساومة بحيث تبدو مساعداتهم للبنان إسهامù في دعم بيريز وتأمين فوزه الساحق على عدو العرب والمسلمين الملعون حتى يوم الدين بنيامين نتنياهو؟!

Exit mobile version