طلال سلمان

سجان امس وغدا اميركي

أعطت »أفكار« أو »رؤى« الأمير عبد الله بن عبد العزيز، التي صيّرتها قمة بيروت، مبادرة عربية، ثمرتها الأولى: قبل جورج بوش شفاعة ولي العهد السعودي، فتوسط لدى حكومة إسرائيل أرييل شارون »للإفراج« عن الرئيس الفلسطيني والسماح له بالتنقل داخل الضفة الغربية وغزة، بعد رفع الحصار عنه في »محبسه« وعن رام الله كلها!
»النفط ليس دبابة أو طائرة كما قال أكثر من مسؤول سعودي ولكنه مع ذلك »سلاح«، ولو للشفاعة.. وهو إن كان قصر جهده على الإفراج عن رئيس السلطة الفلسطينية فإنه نجح حيث تهاوت شفاعات رؤساء وملوك عرب يحكمون بلادا أكبر من السعودية بعدد السكان، وبالدور التاريخي، في ماضي الزمان.
ولقد حصد أرييل شارون جوائز عديدة، فور قبوله الوساطة الأميركية:
1 لا حرف واحدا عن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التابعة (نظريا) للسلطة الفلسطينية، والتي ما تزال الدبابات تجوب أنحاءها، تهدم أي منزل »مشبوه«، وما تزال عمليات الاغتيال للمقاومين مستمرة بالطائرات أو برصاص القناصة، وعمليات الدهم متواصلة ولا يعرف أحد عدد المجاهدين أو »مشاريع« المجاهدين الذين تم احتجازهم ولا المعتقلات التي حُبسوا فيها، وإن كان التقدير الأولي أنهم يتجاوزون العشرة آلاف.
2 رفض مطلق لأية محاولة لإدانة إسرائيل على ما ارتكبته من مجازر، لا سيما في مخيم جنين… وقد تخطى شارون حاجز المماحكة بالتأجيل إلى رفض المهمة المفترضة للجنة تقصي الحقائق، التي ظلت معلقة طوال الأسبوع الماضي، برغم الإلحاح الذي كاد يصل مع كوفي أنان إلى حد الرجاء، وبرغم التعديل في تركيبها وفي طبيعة مهمتها والذي كاد يحولها لو جاءت إلى »شاهد ما شفش حاجة«.
أي ان الاحتلال باق لكي يفرض شارون شروطه السياسية.
ثم ان التحقيق في كل ما ارتكبه جيش شارون محظور فكيف بالإدانة أو بالمحاسبة، وذلك يتصل بالإصرار على تبرئة إسرائيل سياسيا من جرائمها المشهودة.
وخارج البحث، حتى إشعار آخر، مصير الرهائن المحتجزين في كنيسة المهد.
3 مقابل »الإفراج« عن عرفات، قبلت الولايات المتحدة الأميركية ان تقوم بدور السجان، للمتهمين بقتل وزير أقصى التطرف الإسرائيلي، لكي تحفظ للسلطة شيئاً من ماء الوجه، بتأكيد »حقها« في محاسبة من تراهم إسرائيل (والولايات المتحدة) مخطئين من رعاياها.
4 ثم دعوة رئاسية أميركية لأرييل شارون تتيح لجورج بوش الترحيب بصديقه »رجل السلام« في إسرائيل وإعادة توكيد التزامه بالتحالف الأبدي معه بكل الموجبات التي تتخطى نطاق المعقول والمقبول، أقله من طرف ضحاياها المحتملين من العرب.
… مع ذلك، فإن هذه الشفاعة السعودية قد أنجزت، في زمن البؤس، ما كان مستبعداً، بغض النظر عن كلفة هذا الإنجاز سياسياً.
ولكن أي فلسطين، وأية سلطة، سيرى ياسر عرفات غداً، إذا ما مكّنته إسرائيل من التجوال بين المدن المهدمة القلب، والمخيمات المدمرة على رؤوس عائلاتها، والقرى المنسوفة البيوت، والبيوت التي تفتقد سكانها، والأطفال الذين ذهب أهلهم ولن يعودوا، أو الأمهات اللواتي غاب أزواجهن أو أبناؤهن ولن يرجعوا؟!
سيرى أشلاء مدن، وأشلاء سلطة، وأشلاء بشر، وأشلاء سياسات واتفاقات ممزقة ومحترقة تحت الركام، ووساطات من عاجزين عن التأثير، لأن قرارهم مرتهن عند الطرف الوحيد المؤهل لقبول الشفاعات أو رفضها، وهو الآن صورة بوجهين أولهما لأرييل شارون والثاني لجورج د. بوش.
إن قبول الشفاعة ومن ثم تلبيتها لا يؤكد »دالة« واشنطن على تل أبيب، بل يؤكد ان هذه الحرب التي شنها أرييل شارون على الفلسطينيين إنما كانت بقرار أميركي إسرائيلي مشترك.
السجان غداً أميركي، والسجان بالأمس أميركي.
إن قبولها يؤكد أن التحالف الأبدي بين أميركا جورج بوش وإسرائيل أرييل شارون موجه أولاً وأساساً ضد العرب.
ولعل من واجبنا أن نتنبّه أكثر، الآن، الى خطر الحرب الجديدة (الأميركية الإسرائيلية) ضد العرب في العراق.
هالة مقصود: الغياب بقرار!
… وكان لا بد ان تجيء ساعة الرحيل وان تختفي من دنيانا هذه المرأة العظيمة التي كانت »علامة فارقة« في حياتنا السياسية الثقافية وفي جهدنا النضالي الوطني القومي: هالة سلام مقصود.
ولعلها قد اختارت بنفسها، وكعادتها دائما، الموعد، ليجيء غيابها اعتراضا مدويا على الاستسلام لواقع العجز الذي ترك فلسطين وحيدة في يد السفاح الاسرائيلي، يعمل فيها تقتيلا وتهديما فتزداد اشراقا وبهاء وتحريضا على الصمود بالمقاومة. والمصادفة هنا كأنها قرار: ان تغيب هالة مباشرة بعد اجتياح اسرائيل ما تبقى من فلسطين، وبعد سقوط مخيم جنين بعد مقاومة بطولية شهد بها العالم جميعا.
لم تسلم ابدا، هذه المقاتلة بعميق ثقافتها وبصادق ايمانها وبصبرها العجيب الذي جعلها تتجاوز السفراء والموفدين العرب، ملكيين ورئاسيين، بدورها في واشنطن، لتكون الداعية الممتازة، المبادرة عندما يفتقد المسرح الآخرين، مشكلة مع زوجها ورفيق النضال الطويل كلوفيس مقصود ثنائيا ندر ان عرف من يماثله حيوية وقدرة على الاقناع وصمودا خلف القضية الحق، حتى لو انفض عنها الآخرون.
لم تعرف اليأس برغم الصد، ولم تعرف الاستكانة برغم صعوبةالتأثير تمهيدا للتغيير في الرأي العام الاميركي خصوصا والاجنبي عموما، خصوصا مع استمرار اوضاعنا في التردي عربيا… ولم تسلم الراية او تلقي السلاح حتى والمرض الخبيث ينهش جسدها وينهك قدراتها ويقعدها في المستشفى او في البيت وبينهما.
لقد خسرنا »خيمتنا« في واشنطن،
خسرنا وجهنا الجميل، وصوتنا القوي، وملتقى المهتمين، ومحرك القاعدين، وجامع الاضداد المختلفين في الرأي من حول القضية الواحدة.
لكن رفاق سلاح هالة وكلوفيس كثر الآن، وهم مثلنا سيحفظونها في قلوبهم ويكملون جهدهم الطيب في خدمة قضيتنا الحق.
رحم الله هالة، وعوض رفيق حياتها الطيب الذي كان يرى بعينيها وتسمع بقلبه، ويحتشدان فإذا هما »جيش« كامل من الدعاة والشراح والمنظمين، ليس اكثر من طلابهما الا اصدقاؤهما.
… وسيظل صوت هالة في اذن كلوفيس، وآذاننا، ان يذهب الى التظاهرة، وألا يتخلف عن اي نشاط في سبيل القضية.

Exit mobile version