طلال سلمان

زلزال ذي ضرب جامعة

… وبين الهزات او الزلازل، غير الطبيعية في مصدرها وان كانت الاشرس والاكثر ايذاء في مفعولها، تلك الهزة الوحشية التي ضربت من جديد الجامعة الوطنية في لبنان.
لقد وجهت الى هذه الجامعة الممزقة اصلا والممنوعة من التوحد، الضعيفة الامكانات والمستضعفة دائما »ضربة تحت الزنار« هزتها هزا عنيفا وجعلتها تترنح وتفقد اضافة الى توازنها الكثير من سمعتها الاكاديمية… وهي ضربة ستكون لها هزات ارتدادية غير محدودة الاضرار لاحقا، كائنا ما كان القرار المخرج الذي سينهي به مجلس شورى الدولة هذه المهزلة المأساة الموجعة.
تقاطعت سيوف اصحاب السلطان على هذه الجامعة الفقيرة والتي شكلت على الدوام أملا او احتمالا لخلق جيل جديد وحدوي التوجه والتطلعات، معزز بالكفاءة والقدرة على بناء غد أفضل.
هجم أصحاب السلطان على المقاعد الاكاديمية يتخاطفونها وكأنها اشلاء طريدة، وعلا الغبار، وارتفعت صيحات الحرب حتى خاف الناس جميعا، فاندفعوا الى رؤسائهم المختلفين على اتفاق المتفقين على اختلاف، يستحلفونهم بالغالي من ابنائهم ان يوقفوا حربهم… والى جهنم الجامعة وبئس المصير!
أي الأهم: الرؤساء ام جامعة الفقراء؟!
للطوائف حقوقها في الكليات. الرؤساء هم الطوائف. وللمذاهب حقوقها في مناصب العمادة والمديرين. الرؤساء هم المذاهب. الرؤساء هم الأصل وكل من وما عداهم فروع، ان غضبوا خربت البلاد وان رضوا استقرت وازدهرت، ولا خيار!
توالدت الهزات: لكل تصريح هزة تصريح مضاد زلزال،
وفي ظل الهزات والهزات الارتدادية داس الرؤساء بأقدامهم النظيفة على الألقاب العلمية، على سنوات الجهد والتعب والسهر في الدراسة والبحث، على الخبرة والكفاءة والاختصاص، وازاحوا اصحاب الحق والشهادات غير المزورة بأسباب ملفقة، تاركين لرئيس الجامعة ومن معه موقع شاهد الزور!
اقروا مبادئ جديدة ستحدث ثورة في دنيا الاكتشافات العلمية والاصول الاكاديمية: فأنت بقوة مذهبك يمكنك تغيير اختصاصك، فتنتقل من عالم بالحشرات، مثلا، الى مشرف على تخريج النحاتين والرسامين وربما الموسيقيين ايضا، وانت بقوة طائفتك يمكن ان تنتقل من رسم الخرائط الجغرافية، مثلا، الى الاشراف على تخريج الأطباء والصيادلة وصناع الأطراف الصناعية!
ولأن للطوائف قوى غير محدودة، فقد يمكن استيراد العلماء من الخارج واسقاطهم بالمظلات، بل يمكن أيضاً تعيين المرضي عنهم علماء ثم تعيينهم في المناصب المحجوزة للطائفة بوصفها أساس كل علم ومرجعه الأخير!
يقولون ان أسباب الهزة »سياسية«،.. ولما كانت العاقر لا تلد عادة فقد داخ الفقهاء في تفسير هذه الظاهرة: اذ كيف في بلاد لا حياة سياسية فيها يمكن تحميل »السياسة« اوزار مثل هذه الجرائم النكراء؟!
ويقولون ان الأسباب تكمن في ضعف الجامعة، التي يملأ اساتذتها المترابطون وغير المترابطين الشهور ضجيجاً ويملأون الأيام بفراغ الاضرابات اذا اتصل الأمر برواتبهم او بالتعويضات، او بشروط التفرغ والدخول الى الكادر، فاذا وقعت فضيحة مثل هذه اداروا وجوههم الى الناحية الأخرى، حتى اذا سقطت الجامعة تباروا في نظم قصائد الرثاء »لزين الشباب الذي لم يمتع بالشباب«.
ان الجريمة تتم فصولاً امام عيوننا جميعاً، ولا يستطيع احد الادعاء بأنه لم يرَ او لم يسمع او لم يعرف،
ليس ثمة من يستطيع ادعاء البراءة وغسل يديه من دماء هذا الصديق؟!
وجميل ان يهرب اصحاب السلطان بفعلتهم الى مجلس شورى الدولة، ولكن الى متى نظل نرمي القضاء بالاثقال والتشوهات والارتكابات والفضائح ثم نطلب منه ان »يمسح« آثار العدوان،
لماذا نصر على تمرير كل مخالفة بحكم قضائي او بتسوية تسحب من رصيد القضاء بدل ان نحرص على رصيده كمرجع اعلى وأخير للبت في الاشكالات الفعلية ومنع المخالفات والارتكابات والزام الناس جميعاً على البقاء في اطار القانون والمساواة بينهم بموجبه بدل ان يصبح سلاحاً اضافياً في يد السلطة، او أقله ستاراً للتغطية على اغلاطها؟!
كل ما حدث اننا نقلنا موقع الهزة الآن الى قلب القضاء، وكيف يمكن للقضاء ان يعالج الطائفيات والمنهجيات وعراك الرئاسات؟!
ايها الناس… اهربوا الى الساحات والحدائق العامة او الصحراء، حتى لا تسقط عليكم دولتكم!
***
استدراك: قبل ان ينتصف الليل وقعت هزة عنيفة جداً قوتها الف ريشتر بمقياس دنيس روس، في الرباط بالمغرب الأقصى.
وقد حملت البرقيات ما يطمئن الناس إلى صحة »لجنة القدس« المجتمعة هناك، بمضيفها الملكي والوزراء المشاركين فيها جميعاً.
الملك بخير. الوزراء بخير. اللجنة بخير.
وقد انتهى اجتماعها الميمون في نصف ساعة فقط لانتفاء أي خلاف حول عروبة القدس وحول مصيرها وحول موقعها كعاصمة لدولة فلسطين الآتية بإذن الله.
اقتصرت الخسائر على القدس فقط، ومعها سائر فلسطين.
ودنيس روس، هو الآخر، بألف خير، وهو قد وصل إلى فلسطين المحتلة ليطمئن بنيامين نتنياهو إلى سلامة اللجنة وقراراتها الملكية!

Exit mobile version