طلال سلمان

زعران

كتب نصري الصايغ:

الهجاء السياسي لم يعد مجدياً. التصويب الكلامي المهين للفاسدين، لا فائدة منه. شرشحة المصارف واصحابها لا تفيد. جلد الطبقة السياسية لا ينفع. ملاحقة سارقي البلد “فالصو”. حتى تسمية الاشياء بأسمائها صارت مكررة وممجوجة. اعتادوا على الاهانات. لديهم رصيد من قلة الحياء وارصدة من الزعرنة وما هب ودبَّ من جلاوزة تلميع النعال.

سنوات مرت وهذه الوسائل لم تنفع. لبنان ليس وطنا. إنه منذ التكوين مصاب بفقدان دولته. لبنان، ايضا، ليس دولة. هو ملتقى عصابات طائفية ومالية وسياسية وقضائية ودينية. السلطة صك ملكيتها بأسمائهم. خلافاتهم تنتهي بمصالحات وتسويات ومصادرات. لا أظن أن في لبنان طائفة واحدة مظلومة. كلها طوائف بزعامات وقيادات ظالمة… والمشكلة، أن اكثرية المظلومين يؤيدونها. هؤلاء الكثرة، جباههم في نعالهم.

عبث. لولا 17 تشرين لكان عندنا سيان، إن مات اليوم، او مات بعد غد، لأنه وصل إلى نهايته وحتفه. لولا 17 تشرين، لكان الأمل قد نُحر او انتحر. وبانتظار افواج ما بعد كورونا، التي حمت عصابات الزعران، فان لبنان خلص. لبنانهم هذا، افلسوه. لبنان بلد التفنن في النهب. والفضيحة، أن هذا النهب، مبارك ومكرس ومقدس، ولا يشكل فضيحة ابداً.

راهنا، لبنان بلد مفلس. الارقام تفضحه. الديون تعريه. السرقات تكشفه. المساعدات؟ من أين؟ هذا حصرم رأيته في حلب. انهم يبحثون عن مصادر لتمويل الدولة. لن يجدوا الا الفتات، او يعرضوا الدولة للبيع. وهذا غير ممكن، لان عقد ايجار لبنان الخارجي ما زال شغالاً.

لسنا نشعر بقلق ما على الطغمة. هذه “سوكرت” حياتها بملايينها وملياراتها وعقاراتها ومصارفها وحساباته الخارجية. انها اذكى من “بنادقة” تيمورلنك.

الخلاف الراهن بين “معارضة” (يا عيب الشوم) وبين موالاة (يا للعار)، هي كذبة. الفريقان متهمان ومعترفان بدفن الشيخ زنكي معاً. منذ شهور قليلة، انفرط عقد التحالف بين مجموعة الستة الكبار. لا تخشوا عليهم ابداً. سيعودون بشروط متبادلة ومتعادلة. فلكل حصته، من رأس الهرم حتى رتبة الخدم.

السؤال الذي لا جواب عليه عندي، او عندنا، هو التالي: أين هم المنهوبون؟ نعم. أين هم اصحاب الودائع. إذا كان التطنيش هو سياسة الشعب المهزوم والمقلوب، ازاء ما يُنهب من الدولة، فما هي سياسة اصحاب المال الذين تُصَادر ودائعهم وتهدد بالتصفية او الحذف او الانتقاص؟

لم نشهد بعد شيئاً. الكورونا ليست حجة. ملاحظ أن الإعلام انتقل من 17 تشرين إلى اعداء 17 تشرين. عاد الاعلام، إلى ما قبل الانتفاضة. والانتفاضة خاضعة لشروط كورونا.

امام اصحاب الودائع، أما ان يودعوا ودائعهم، بحكم الافلاس، او إلزام الطغمة السارقة بالتراجع، وإلا…

بعد إلا، لا بد من تحديد اساليب المواجهة. هذه الحكومة، حتى ولو كانت تكنوقراطية، وهي ليست كلها كذلك، فان العصمة في زنار مجلس النواب التابع حتماً، لزعماء الطغمة… هذا واضح ومفهوم. الطغمة مطمئنة. حصتها معها. ورصيدها ليس هنا، بل هناك وهنالك من عناوين الحسابات المصرفية في الخارج.

أتوقع اياماً سوداء بعد كورونا. صناديق الاغاثة لن تكفي. انتقال الخلافات التي يتقنها زعران السياسة، لن يفيد. الكلمة للانتفاضة. على أن عليها الاجابة عن السؤال التالي: هل نعيد الكرة مرة أخرى؟ ام نبتكر وسائل جديدة قوية مستدامة مضحية لا تحسب الا حساب الربح، أكثر من حساب تسجيل موقف بصوت عال وقبضة عارية.

لا شك أن القبضة هي مفتاح المواجهة والمنازلة. ولكن القبضة لم تعد كافية.

السلمية ممكنة وقوية إذا كانت مؤلمة وموجعة وفضائحية.

العنفية، ممكنة جداً، لكن الخطر الطائفي يتهددها. فكل عنف لبناني يتحول إلى جولات طائفية.

إذا لم يحصل أي فعل لحصارهم واكراههم على دفع ما نهبوه، فعلى الشارع السلام عندها، يحتفل “اللبنانيون الكرام”، بحكم الزعران، لعقود قادمة.

بارقة امل صغيرة. لا بد من البحث عنها، عند الذين خسروا مدخراتهم ووظائفهم ومكانتهم.

هل لنا حظ البناء على مأساة اللبنانيين؟

لِمَ لا؟… يا ليت.

Exit mobile version