طلال سلمان

زاهي البستاني

رحل زاهي البستاني بصمت، بعدما أعجزته صلابته عن مقاومة المرض الخبيث الذي نهش منه الجسد والقدرة على المقاومة فاستسلم لقضاء الله وقدره وهو الذي اشتهر بأنه يفضل الموت على الاستسلام.
ولعل زاهي البستاني قد اشتهر بخصوماته أكثر مما عرف بصداقاته… وهو بهذا يكاد يكون نقيض شقيقه المحامي (والوزير لفترة قصيرة) ناجي البستاني.
ففي تكوين زاهي البستاني انه يمشي بقناعاته حتى النفس الأخير، بغض النظر عن رأي الناس في هذه القناعات ومدى سلامتها.
ولعل الصحافة والصحافيين، قبل الساسة، هم الشهود على هذا التكوين، منذ ان عرفهم وعرفوه وهو مفوّض في المديرية العامة للأمن العام، حين أوكلت إليه مهمة الرقابة على الصحف في اعقاب الجولة الأولى من الحرب الأهلية التي انتهت باتفاق الرياض القاهرة، الذي جاء بقوات الردع العربية إلى لبنان لتنهي القتال.
كان حاداً في موقفه، مفترضاً انه ينفذ ما عهد إليه بتنفيذه بكل مسؤولية… وبمعنى ما كان بعيداً عن صورة اللبناني الذي تتغلغل المساومة في كرويات دمه الحمراء والبيضاء.
بعد ذلك عاد إلى الأمن العام، وكان قد ترك الوظيفة.. وقبل بأن يتولى منصب المدير العام للأمن العام، كارهاً، لأنه لم يكن شديد الإعجاب بالشيخ أمين الجميل الذي ورث رئاسة الجمهورية عن أخيه الشيخ بشير، الذي اغتيل بعد أيام من انتخابه في ثكنة الفياضية وبحماية الدبابات الإسرائيلية. وكان زاهي البستاني يرى في بشير الجميل مثله الأعلى ويتخذه قدوة.
وكان يحتفظ، في مكتبه، بصور عديدة له مع مؤسس القوات اللبنانية الذي رحل عشية تسنمه المنصب الخطير، كرئيس للجمهورية، بينها واحدة خط عليها بشير الجميل بخط يده، وبالفرنسية، ما ترجمته: في هذه اللحظة وصل فيها عدد الاصوات التي نلتها من بين النواب الى ما يجعلني دستورياً رئيساً للجمهورية، تذكرتك أنت بالذات، بمواقفك الشجاعة،.. وإنني أؤمن أنني، بمثلك نستطيع أن نبني الدولة التي نريد . أي ان بشير الجميل لم يفكر بغير زاهي البستاني بينما كان يعلن الرئيس كامل الأسعد فوزه كرئيس للجمهورية.
بعد حين، وكنتيجة منطقية لعدم قدرة زاهي البستاني على الانسجام مع متطلبات السياسة المتقلبة لرئيس الجمهورية، فضلاً عن الودّ المفقود بين الرجلين، وربما لانقلاب الموازين السياسية، انسحب أبو زاهي واختفى من الحياة السياسية اللبنانية، وإن كان قد ظلّ على صلة ببعض اصدقائه او من ربطته بهم علاقات عمل كالرئيس الشهيد رفيق الحريري… وبعض أهل السلطة في دمشق التي ظل يزورها بين الحين والآخر، لكنه كان قد طلق العمل السياسي في لبنان ثلاثاً.
برحيل زاهي البستاني تنطوي صفحة حافلة بالأسرار في تاريخ الحرب الأهلية اللبنانية بأطوارها المختلفة. والأمر لله من قبل ومن بعد.
ط. س
نبذة عن حياته
غيّب الموت المدير العام السابق للأمن العام زاهي البستاني بعد معاناة طويلة مع المرض. وتقام مراسم الدفن الرابعة بعد ظهر اليوم الخميس في كنيسة سيدة التلة دير القمر، وتقبل التعازي بعد الدفن في منزل شقيقه الوزير السابق ناجي البستاني. كذلك تقبل التعازي يومي الجمعة والسبت في 27 و28 تشرين الأول الجاري من العاشرة صباحاً حتى السابعة مساء في صالون كنيسة مار تقلا الحازمية.
ونعت المديرية العامة للأمن العام وأهل الفقيد وفاة البستاني الذي وافته المنية بتاريخ 24/10/.2006
ولد الراحل في صيدا عام 1947 وانتسب الى سلك الأمن العام بتاريخ 28 آب 1972 رُقّي حتى بلغ رتبة مفوّض ممتاز، تقلّب في مراكز ومواقع عدة في الأمن العام.
عُيّن مديرا عاما للأمن العام بتاريخ 11/12/.1982
متأهل من هيام ابو سعد وله ثلاثة اولاد: زاهي وزياد والمرحومة زينة. شقيقه الوزير السابق ناجي البستاني.
جمعته مع بشير الجميل علاقة محبة وثقة، فكان من أقرب المقرّبين. تعاون مع الدكتور سمير جعجع فترة تولي الأخير قيادة القوات اللبنانية ، ثم انسحب من الحياة السياسية العلنية، ولكن ربطته علاقة صداقة وثيقة بالرئيس الراحل رفيق الحريري وبشخصيات سياسية كثيرة محلياً وعربياً.

Exit mobile version