طلال سلمان

رياض تفجير شعار مقدس

إذا صدقنا الاتهامات الرسمية والقرائن والشبهات الموحية بأن تفجيرات الرياض هي من »إبداع« منظمة »القاعدة«، يكون أسامة بن لادن أو القائم بأمره قد أضاف إلى الخطأ خطيئة فاحشة، مؤكداً أنه يعاني من حَوَل سياسي خطير يمنعه من معرفة »عدوه« ويجعله يوجّه رصاصه إلى الهدف الغلط فيقدم لهذا »العدو« خدمتين: يحوّله إلى ضحية، في حين يصيب رصاصه شعاره هو بالذات!
إن الأعداء المفترضين لقاعدة بن لادن كثيرون، بحسب خطابه السياسي، وبمعزل عن مضمونه المتخلّف والذي يكاد يكون خارج السياسة… لكن رصاصه لم يُسقط حتى هذه اللحظة إلا »ضحايا« لا يجسّدون بأي حال ولا يمثلون العدو المفترض، بل إنهم يتحولون إلى »استثمار« سياسي واقتصادي ناجح لذلك العدو!
من نيويورك إلى الرياض، مروراً بالعمليات ضد بعض السفارات الأميركية في بعض دول أفريقيا، لم تقتل تفجيرات »القاعدة« إلا مدنيين، وفي حالات كثيرة كان معظمهم من غير الأميركيين، مع أن القتل للقتل لم يكن في أي زمان ومكان عملاً ثورياً، أو جهاداً في سبيل الله.
وبغض النظر عن الرأي الأخير في »عمليات الخارج« التي تودي بحياة كوكبة من الشبان الذين يتقدمون لتنفيذها استعجالاً للوصول إلى الجنة، فإن »القاعدة« بإمكاناتها الهائلة وقد امتنعت لسبب غير مفهوم عن الهجوم على جيش الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، مثلا…
حتى في السعودية، فإن »القاعدة« لم تضرب القواعد العسكرية الأميركية (والبريطانية) في حفر الباطن أو حيثما وُجدت، بل اختارت أهدافاً مدنية أو شبه مدنية (إذا ما افترضنا أنها كانت وراء مسلسل الاغتيالات التي شهدتها الرياض).
ومؤكد أن المجمع السكني الذي فجّره من نسبتهم التقديرات ليس هدفاً عسكرياً، بأي معيار، بل إن غالبية من يقطنه ليست من الأميركيين، وها هي هويات الضحايا تكشف أن بينهم مواطنين لبنانيين ورعايا لأقطار عربية أخرى، فضلاً عن السعودية ذاتها.
شرط الجهاد تحديد العدو بدقة، ومواجهته في عينيه، وفي الميدان الصح…
وليس أكثر من ميادين الجهاد في الأرض العربية (والإسلامية) لمن يقصد المواجهة طلباً للاستشهاد.. فنصف »الدول« العربية تحتله قوات أجنبية، غالبيتها الساحقة تتبع آلة الحرب الأميركية… وآخر ما احتلته الجيوش الأميركية، العراق!
ثم إن فلسطين ما تزال تستشهد أطفالاً ونساءً ورجالاً وبيوتاً، قرى ومخيمات ومدناً مثقلة بتاريخ الجهاد ألف مرة في اليوم.
وأبطال المقاومة الفلسطينية الباسلة لا يجدون غير دمائهم يفجّرونها في عدوهم الوطني القومي الديني، محتل أرضهم وزمانهم وحقهم في مستقبلهم.
إن التفجيرات في الرياض جريمة، بل هي أشنع: إنها خطأ سياسي قاتل إذ سيتيح للإدارة الأميركية أن تظهر كأنها ترد ظلماً عن رعاياها، و»تدافع« عن بلد عربي صديق… ولو باحتلاله، كما فعلت مع العراق.
إن الخسائر التي أصابت العرب (والمسلمين) نتيجة هذه الجريمة غير محدودة.
أما المكاسب فتصب في خانة كل من تصنّفهم »القاعدة« أعداءً: بدءاً من الإمبريالية الأميركية العاملة للهيمنة على العالم بدءاً بعراق العرب، إلى الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وانتهاءً بالنظام السعودي. فكل هؤلاء سيصنفون »ضحايا«، بغض النظر عن ممارساتهم السياسية والعسكرية.
متى تتوقف »القاعدة« عن العمل وكأنها »طابور خامس« لأعدائها العلنيين؟!
متى تتوقف عن تفجير شعار »الجهاد المقدس«؟!

Exit mobile version