طلال سلمان

روح رفيق حريري تنتصر

تخففت روح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أمس، من بعض أثقال «الكيدية» والاستثمار السياسي البشع وغير المحدود لجريمة اغتياله، مع صدور قرار المدعي العام الدولي برفع الظلم عن «الضباط الأربعة» والذين عادوا إلى الحرية بعد احتجاز بالتجني المكشوف والتشويه المقصود لسمعتهم والتعذيب لأسرهم والامتهان المتمادي لكراماتهم، والذي استطال دهراً.
ولقد تخفف اللبنانيون، أيضاً وكل إخوانهم العرب الذين أوجعهم الشعور بالفقد وإحساسهم بأن جريمة الاغتيال تستهدفهم جميعاً، بغض النظر عن حزبياتهم وانتماءاتهم، من أثقال التعمية السياسية التي فرضها الغرض وخدمة مصالح مستثمري هذه الجريمة النكراء.
يمكن القول إن يوم أمس كان الموعد لاستعادة اللبنانيين الوعي: ها أن الباطل الذي بُني على باطل قد انهار، فانكشفت حقائق طمسها التزوير واستغلال لوثة الدم للقيام بانقلاب كامل محصن بحرمة الشهادة، عبر الحملة الجهنمية لتشويه قيم الحرية والعدالة والديموقراطية، فضلاً عن العروبة التي من دونها لا يكون لبنان وطناً ولا دولة.
أمس، وقف اللبنانيون أمام ضمائرهم، وهم يستمعون إلى نص قرار المدعي العام الدولي، ويشاهدون خروج الضباط الأربعة إلى الحرية، ثم لقاءاتهم مع عائلاتهم، وبعضها قد جلّلها حزن الفقد، وبعضها الآخر قد زاد عديدها في غياب الآباء، ثم وهم يواجهون الأسئلة الصعبة: لماذا سمحنا بأن نُلحق برفيق الحريري ظلماً ثانياً، ولماذا سكتنا تهيباً أو خوفاً أو نفاقاً أو طلباً لكسب رخيص، ونحن نشهد فصول المسرحية الهزيلة التي سُخرنا لأدوار الكومبارس فيها؟
لماذا اندفعنا مع لوثة الدم بحيث بتنا نخدم أغراض الذين خطّطوا ونفذوا وارتكبوا الجريمة، فحوّلنا الظلم الذي حاق بنا جميعاً إلى انقسام سرعان ما صار فتنة، مما أصاب الدولة المتهالكة بشروخ طاولت مؤسساتها جميعاً، يتوزع أشلاءها من لا مصلحة لهم بقيامها، كمرجعية أخيرة لشعبها جميعاً، هي الضمانة لوحدتهم الوطنية، وهي إطار تلاقيهم في أفياء السيادة والحرية والاستقلال والديموقراطية؟!
لماذا صمتنا عن الظلم الذي سرعان ما عززه وحماه وأدامه التزوير العلني المفضوح للوقائع؟! لماذا قبلنا شهادة الشهود الكذبة، والذين لم يكن يقبل اتهاماتهم المفبركة أي صاحب عقل، قبل أن نصل إلى الضمير؟!
لماذا وقفنا عاجزين ونحن نرى بأم العين معاول هادمي المؤسسات، بدءاً بالقضاء، تدك ركائز مرجعية الإنصاف ورفع الظلم وإحقاق الحق؟!
لماذا ارتضينا أن تتحول قيمنا وأخلاقنا وأسباب حياتنا إلى استثمارات لكل صاحب غرض، في الداخل أو في الخارج، وواكبنا بصمت غير مبرّر عمليات التشويه والتزييف والتزوير التي جعلتنا جميعاً في موقع الضحايا، بعضنا يظلم بعضنا، والقتلة في منأى عن الحساب؟
ها نحن الآن، بلا دولة، نوهم أنفسنا بأنه يمكن استيراد العدالة من الخارج، من دول أخرى، وعبر مجلس الأمن الدولي الذي لم ينصفنا في مختلف قضايانا المحقة، في أي يوم!
من أين نأتي بالقضاء حيث لا دولة؟
.. وفي ما تبقى من دولتنا تنشأ المؤسسات على المقاس، وبعدد الزعامات الطائفية والمذهبية… وكلما انتفخ حجم الزعامات تبدت الحاجة إلى المزيد من المؤسسات والإدارات، واستوردت قوانين مهابة فاختزلت أو جزئت أو شوّهت أو حرّفت حتى تليق بفرادة لبنان..
إن هذا القرار التاريخي بتبرئة الضباط الأربعة الذين أهدرت مع كراماتهم أربع سنوات إلا قليلاً من أعمارهم، يجب أن يكون جرس إنذار بأننا نمشي إلى الهاوية بأقدامنا، إن نحن لم ننتبه إلى حقيقة بسيطة: يكون لبنان دولة أو يكون غابة تتصارع فيها غيلان الطائفية والمذهبية، وكلها يخدم الأجنبي عموماً والإسرائيلي خصوصاً.
وجيد أن يكون سعد الحريري قد أصغى إلى دلالات القرار الدولي، ونفترض أنه أصغى أيضاً، وبشكل خاص، إلى نداء جميل السيد، الذي أطلقه باسم الضباط الأربعة، ومضمونه بسيط: بالعدالة نبني الوطن، وبالوحدة الوطنية نبني الدولة، أما الثأر من الضحايا فيذهب بالبقية الباقية من وطننا ودولتنا البائسة!

Exit mobile version