طلال سلمان

رعاية مع حفظ الكرامة

المجتمع بتضامنه. وأبرز عناوين التضامن أو التكافل رعاية من قست عليهم أقدارهم من أبنائه فحرمتهم حنان الأهل ودفء البيت وضمانة المستقبل. والمجتمع شخصية معنوية، وهو ليس حاصل جمع الناس فيه، بل إن مرتكزاته تتصل بقوة التضامن، وانتشار الوعي والإحساس بالمسؤولية الجماعية عن أبنائه، لا سيما من حكمت عليه ظروف خارجة عن إرادته بأن يفقد أهله أو يعجزوا عن حمل مسؤوليته أو يهربوا من هذه المسؤولية فيتركوه لرياح الأقدار وبؤس العيش وحيداً في مواجهة قسوة ظروف الحياة مفتقداً السند والراعي والموجه ومن يؤمنه في يومه ومستقبله.
بين المؤسسات القليلة في لبنان التي انتدبت نفسها لمثل هذه المهمة النبيلة: دار الأيتام الاسلامية، التي حولها الإحساس المكين بالمسؤولية إلى مصدر للأمان لآلاف مؤلفة ممن جنت عليهم أقدارهم فحرمتهم ممن يرعى طفولتهم ونشأتهم ويوفر لهم الضمانة في مستقبلهم.
وكانت العادة أن يدور المسؤولون عن المؤسسات التي تنتدب نفسها لرعاية المحتاجين في مجتمعهم، على «أهل الخير» يستحثونهم ويشجعونهم ويستثيرون نخوتهم لتقديم ما تيسر من التبرعات والصدقات..
ثم درجت عادة التسول الرسمي، بمعنى التوجه إلى دول أو إلى مسؤولين في دول، لا سيما الغنية منها، بطلب الإعانة مقابل الإشادة والتنويه والإعلان عن هذه «المكرمات» التي تقصر ـ في الغالب الأعم ـ عن أن تساوي ما يمكن ان ينفقه أي مسؤول على مباذله في أسبوع، بل ربما في يوم واحد.
محمد بركات هو الشواذ عن قاعدة التسول الرسمي، ولو من أجل هدف نبيل كرعاية الأيتام. لقد استشعر شيئاً من الاهانة إذا ما هو ذهب إلى بعض هؤلاء يستعطفهم ليستعطيهم. فامتنع عن التوجه الى أهل السلطان، وإن ظل يقبل بامتنان تبرعات أهل الخير في مختلف الأقطار العربية، لا سيما الغنية منها.
لعله أحس أنه إن هو وقف بباب السلاطين فسيلحق الإهانة ـ مرة ثانية ـ بهؤلاء الأيتام الذين جنت عليهم ظروف لا يد لهم فيها، ولعله قد تجاوز الاعتبار الشخصي فرأى في تنازله عن كبريائه الشخصية مقابل دنانير لا تغني ولا تسمن عن جوع، جرحاً يلحقه بكرامة هؤلاء الأيتام الذين ارتضى ـ طائعا مختارا ـ ان يتحمل المسؤولية عن «دارهم».
ألم يقل سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بلهجة يختلط فيها النصح بالأمر: «وأما اليتيم فلا تقهر».
لقد اعتبر الدكتور محمد بركات الوقوف بباب السلطان طلباً لدنانيره قهراً للأيتام…
ثم انه وجد في أهل الخير، داخل لبنان وخارجه، من يعوضه ويغنيه عن ذل الوقوف بباب السلاطين.
لقد وفر محمد بركات على الأيتام قهراً إضافياً… ولقد عوضه الله خيراً في أهل الخير، من اللبنانيين وأشقائهم العرب، ما أغناه عن اولئك الذين يعطون ـ اذا ما أعطوا ـ قليلا، ثم لا يتورعون عن طلب الكثير.
لقد باتت مؤسسات الرعاية الاجتماعية في لبنان معلما بارزاً، يدل على تأصل الخير في الناس، وها هي دار الأيتام الاسلامية تشهد بأن المجتمع، في أصله، طيب وخيّر وما زال ضميره سليماً بدليل أن التكافل الاجتماعي قد أسهم في بناء صروح لحماية كرامة الانسان. بارك الله في أهل الخير.

Exit mobile version