طلال سلمان

رصاص قتلة في عيوننا

أصابنا رصاص القتلة في عيوننا.. فلقد كان هؤلاء الزملاء الذين اغتالتهم قوات الغزو الأميركي البريطاني قد دخلوا بيوتنا واستقروا في وجداننا باعتبارهم رسلاً نادرين للحقيقة. وكنا نقدّر لهم إخلاصهم لمهنتهم الشريفة ولنا فننتظرهم بشوق. وكنا نقدّر لهم أنهم يتحمّلون ردود فعل خيبتنا أو غضبنا أو قهرنا، مع وعينا بأنهم غير مسؤولين عن »الواقعة« بل هم مجرّد مبلّغين. وكنا بعد أن يعود إلينا الوعي نحتضن أصواتهم مقدّرين لهم أمانتهم: على الأقل هم لم يكذبوا علينا، لم يزوّروا الوقائع، لم يموّهوا وجوه القتلة، لم يغطوا فضيحة التقصير.
لن تُطمس الجريمة بقتل الشهود. ولن يتمكّن الغزاة المحتلون من تزوير طبيعتهم بالمزيد من القتلى. قاتل الأطفال لن يتورع عن قتل الناس جميعاً. والحريص على تزييف مهمته سيقضي على كل من وما يذكر بطبيعة هذه المهمة التي تعلن عن نفسها بأعنف وسائل الإعلان من أسلحة التدمير الشامل: الصواريخ العابرة القارات والقذائف ذات الأطنان والقنابل العنقودية ومدافع الدبابات وحوامات الأباتشي إلخ…
من يدمّر عمارات المدن ذات التاريخ وبيوت الفقراء في البيوت المكتظة بالمحرومين من حق الحياة، على امتداد الطريق بين أم قصر وبغداد، لن يتورّع عن قصف الأقلام وتدمير آلات التصوير التي ضبطته بالجرم المشهود!
ليس بين الزملاء الذين استشهدوا أو جرحوا في بغداد من حمله »موقفه السياسي« المعادي للإمبريالية الأميركية، مثلاً، إلى تحمّل مخاطر السفر إلى ميدان الحرب التي اصطنعها الغزاة الأميركيون، ومعهم حليفهم البريطاني، من أجل السيطرة على العراق وفرض هيمنتهم على المنطقة كجزء من مشروعهم الإمبراطوري للهيمنة على العالم.
إنهم صحافيون، لا يحملون غير عيونهم وأقلامهم وآلات التصوير. أما في قلوبهم فيحملون إخلاصهم للمهنة التي تشرّفوا بالانتماء إليها، وقصدهم توسيع دائرة النور، ونقل الحقيقة، مجردة، إلى الناس.
بل إنهم »فدائيو« هذه المهنة، إذ كان بوسعهم أن يرفضوا الذهاب إلى »أرض السواد« التي جعلها الغزو الأميركي البريطاني أرض الموت والقتلى بلا قبور!
ثم إن المؤسسات التي يعملون فيها ولها ليست معادية للولايات المتحدة، ولا تصنّفها »إمبريالية«. على العكس تماماً: هي مؤسسات يصنّفها الأميركيون »صديقة«.
ليس للاحتلال صديق. ليس للمستعمِر صديق. ليس لعدو الشعوب صديق.
إن هذه الجريمة التي لا يمكن إسقاط التعمّد عنها هي »الشاهد الملك« الذي لا يمكن الطعن بشهادته على طبيعة »المهمة التحريرية« التي جاءت بجحافل الغزو الأميركي البريطاني من أقصى الأرض لكي يستنبتوا بالدم الديموقراطية في العراق.
لم تكن تنقص إلا مثل هذه الشهادة بالدم حتى يتأكد الناس من »نبل« الرسالة الأميركية.
أيها الزملاء: سنفتقدكم كثيراً.. لكننا لن ننساكم. سيذكّرنا بكم، على مدار الساعة، دوي الموت الأميركي الذي يلتهم بلادنا، بأهلها وثرواتها وأحلام الأطفال الذين لن يروا آباءهم.
أيها الزملاء: سامحكم الله وغفر لكم! ألا تعرفون أن »فلسطين« تظل هدفاً لأسلحة القتل الأميركي الإسرائيلي، ولو كانت مجرد تسمية لفندق في عاصمة الرشيد!

Exit mobile version