طلال سلمان

رسالة ملايين عبر اسد

بالسياسة لا بالعاطفة تقرأ مسيرة الملايين من السوريين التي فاضت بها جنبات دمشق الفيحاء، أمس، جهراً بالبيعة للرئيس حافظ الأسد.
إنه موقف للغد وليس امتداداً للتأييد بالأمس واليوم،
إن هؤلاء الملايين يقولون بحضورهم المدوي: نعم لحافظ الأسد رمز الصمود من أجل التحرير، نعم لحافظ الأسد القائد الفذ في فهمه للعبة السياسية الدولية وقراءته الذكية للتحولات، وفي تعبيره الباهر عن ضمير الأمة في مقاومة الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية.
إنه لا يغامر ولا يقامر، ولكنه ينطلق من وعي عميق ومن إيمان ثابت بقدرات الأمة إذا أُحسن توظيفها، ومن ملامسة مباشرة للشوق إلى التحرر واللحاق بالعصر، مهما غلت التضحيات.
وهؤلاء الملايين ينادون إخوتهم خارج سوريا ويؤكدون لهم القدرة على الفعل: ها نحن في الميدان بعد، خلف قائدنا الذي شهد العالم بكفاءته وبالتزامه، نرفع راية النضال العربي ونحمي القلعة القومية، ملاذ القضية وسيفها وترسها حتى لو عز الرفيق.
إنهم ينادون لبنان فيبعثون فيه الاطمئنان إلى غده،
وهم ينادون العراق بنبضات قلوبهم، وتكاد تصله أصواتهم حية، هادرة، ممتلئة عزما واستعدادا للتضحية: معكم نحن، من فوق المؤتمرات المتهاوية تحت الحصار بالعجز والمساومة، ومن فوق المؤامرة المتكاملة بالمزايدة والمناقصة على السواء، ومن فوق »الاحتواء المزدوج« الذي تلعبه واشنطن بالاشتراك أو بالتواطؤ مع هوس السلطة، أو مع الخوف على العروش!
إنهم ينادون مصر: ألا تضعفي، فأنتِ بشعبكِ وبنا الأقوى،
ويخرقون سور الحصار من حول ليبيا والسودان، ليؤكدوا وحدة المصير،
ويحتضنون الجزائر الجريح، خصوصا وأنهم قد عاشوا مثل مأساتها حتى انتصروا على الفتنة بحافظ الأسد.
ويمدون أيديهم الى سائر المغرب: أن ما زالت دمشق قلب العروبة النابض،
إنهم يخاطبون ضمائر أهل الجزيرة والخليج ويهتفون بهم: لستم وحدكم، معكم نحن، ونستطيع معا أن نحمي كرامة أرضنا وإنسانها، أما الحامي الأجنبي فيأخذ الحرية والكرامة والثروة والأمن ولا يزرع غير الخوف والفتنة.. ليبقى!
لقد تجاوز حافظ الأسد حدود القائد والرئيس وحادي مسيرة النضال.
كذلك فإن مواقفه الصلبة ونجاحاته الاستثنائية في مواجهة العدو وأصدقاء العدو، قد أوصلته الى عقول العرب قبل قلوبهم.
وهو قد أعاد إلى دمشق ألقها وموقعها في الوجدان العربي.
لذلك فتظاهرة البيعة تتجاوز شخصه إلى مواقفه بوصفها مصدرا للأمل بالخروج من ليل اليأس العربي ومن مستنقع الهزيمة العربية.
والملايين بغير قيادة تصير مجرد كمّ مهمل، لا يؤثر ولا يغيّر في المعادلات ولا في السياسات..
أو مع قيادات اكتسبت قوة الرمز فإنها تصبح قوة قادرة على إعادة كتابة التاريخ، أو أقله على منع تزويره بالقهر أو بالحيلة.
ومسيرة دمشق تضم تلك الملايين العربية خارجها التي تتطلع إليها وتنتظر نجدتها.
وبين ميّزات حافظ الأسد أنه أضاف إلى كبر دمشق وإلى خطورة دورها في التاريخ العربي، وهذا ربح مزدوج للعرب في كل أرضهم.

Exit mobile version