طلال سلمان

رسالة الى هادي حسن نصر لة

العزيز هادي
سلام عليك وعلى صحبك الميامين،
ومبروك لك ولرفاقك الأبرار هذا النصر المؤزَّر الذي مهرتموه بدمائكم فجعلتموه عيداً للوطن وللأمة جمعاء.
إنه عيدكم، يا هادي، ولو في الغياب، فليس أعظم منكم حضوراً وليس أكثر منكم جدارة به.
إنه نصر بهيّ، بمثل نضارة وجوهكم الفتية، ومتوهج توهّج أرواحكم الطاهرة، وله إشراقة إيمانكم وخصوبة هذه الأرض التي احترقت وما استسلمت والتي شرّفتكم بالانتماء وشرّفتموها بالشهادة فغدت أعظم قداسة حتى لتستحق أن تكون المزار.
لكأنك تستوطن حدقة العين، يا هادي، مستحضراً رفاقك الشهداء جميعاً، بحيث أننا وكيفما التفتنا في نواحي الأرض التي طهّرها النصر من الاحتلال كنا نراكم في مقدم الحشد، في قلبه، على أطرافه، ومن خلفه: تتأملون بشغف هذه النواحي التي ما كنا لنكون فيها الآن لولاكم، والتي أعطيتموها حيواتكم لنستطيع استعادتها والعودة إليها.
ملءُ الساحات أنتم، في بيوت الناس البسطاء والطيّبين الذين باسمهم قاتلتم وتحت أعلام من أسمائكم الحسنى يعودون.
وحين كان يعلو هتاف الرجال بنبرة الفخر والاعتزاز بالانتماء، وتتفجر حناجر النساء بزغاريد الفرح، كنا نلمح أطيافكم تسري بين الناس، تبارك لهم وتزجي إليهم التهنئة ثم تنبّهون إلى أن المعركة مفتوحة بعد.
وكانت وجوهكم، وما زالت تملأ الشاشات، فأنتم صورة النصر… أنتم في ابتسامة كل عائد إلى أرضه. أنتم في عيون الأمهات وفي مهج الصبايا، أنتم في زنود الرجال الذين حطموا أسطورة الوحش المخيف.
في حاصبيا لمحناكم، في شبعا وفوق الذُرى المطلة على مزارعها الأسيرة بعد، في بنت جبيل وإبل السقي، في ميس الجبل والخيام ورميش، في مرجعيون وعديسة والطيبة، في كونين ويارين وعيترون وعيتا الشعب… وعلى امتداد الطريق، الذي افتقد أصحابه طويلاً واستعاد حياته اليوم.
في قلب الكنائس، كان المؤمنون يلمحون طيوفكم تظلّل صور القديسين، أما في الحسينيات فكانت طيوفكم تتوسط الآيات البيّنات، وتظلّل الصور المتخيّلة للإمام علي ولسيد شهداء أهل الجنة الحسين..
كنتم الحشد المهيب جميعاً… ففي ملامحكم تقاربت حتى تماهت وتوحدت صور رفاقك ورفيقاتك جميعاً، من لولا عبود إلى سناء محيدلي، ومن محمد سعد إلى السيد عباس الموسوي، ومن الشيخ راغب حرب إلى جمال حبال، ومن رفيقك الملازم أول جواد عازار إلى الشهيد الحي مصطفى الديراني، والشهيد الحي الآخر سمير القنطار.
العزيز هادي،
يهمّنا أن نطمئنك ورفاقك الشهداء إلى أن كل المحاولات الخبيثة لإفساد النصر وعيده قد باءت بالخذلان، فظل النصر على جلاله بحيث يليق بكم وبذكراكم.
ولقد حمل النصر في طيّاته الطمأنينة للخائفين، والأمن للذين عاشوا في قلب الخطر عقدين من الزمن أو يزيد، والثقة بالذات لجميع الذين كانت تعصف بهم الشكوك في صلابة الأخوّة التي تربطهم بشركائهم في الوطن الواحد.
لقد ذهب لبنان كله ليحج إلى الأرض التي افتديت ورفاقك، والتي تولّت بدورها مهمة تحرير وطنها بنجاح. ذهبت الدولة برئيسها وحكومتها، وجاء الناس جميعاً من الأنحاء جميعا، متخطّين حواجز الطوائف والمذاهب والخوف والغربة. صارت المقاومة الوطن.
العيد عيدك يا هادي، أنت ورفاقك الميامين.
أنتم مَن صنعتم العيد، لأنكم أنتم مَن صنع النصر.
ولسوف تكونون في قلب الغد، يا هادي…
وسلام عليكم يوم استشهدتم ويوم تبعثون.

Exit mobile version