طلال سلمان

رسالة “السفير” من طرابلس عن أعمال ونتائج قمة الصمود والتصدي العربية أسرار عن حقيقة مواقف الأطراف الستة.. والمساعي بين دمشق وبغداد

نجحت القمة المحكمة بالنجاح… قمة الصمود والتصدي العربية. التي انعقدت على امتداد أربعة أيام طوال في طرابلس، وانتهت بإعلان الجبهة القومية لمواجهة مسؤوليات المرحلة، بكل خطورتها وأعبائها الثقيلة. ومع أن انسحاب الوفد العراقي في اللحظات الأخيرة وامتناعه عن توقيع بيان طرابلس قد جعل المشاركين يشعرون بشيء من الأسى والأسف، فإن إرادة الصمود والتصدي انتصرت بالنتيجة. وحققت ثلاثة أهداف كبار:
1 – إن المؤتمر انعقد فعلاً في الموعد المقرر وفي المكان المقرر وبمشاركة المدعوين إليه جميعاً.
2 – إن المؤتمر قد وفر المناخ الصحي لتجديد الوحدة الوطنية الفللاسطينية وتجذيرها. ومع تجديد الوحدة، كان طبيعياً أن يبدو موقف المقاومة أكثر صلابة، وأن تسقط الاشكالات والالتباسات والترددات والمراوحة والتكتيكات التي كانت تحكمه في بعض الحالات.
3 – إن المؤتمرحقق قفزة نوعية في العمل السياسي العربي ببيان طرابلس الصادر عنه، وبانبثاق الجبهة القومية التي ستتولى منذ الآن قيادة العمل السياسي في المرحلة المقبلة، ويكون لها حق التقرير في الأمور الأساسية بما في ذلك قرار الحرب والسلم.
ومما لا شك فيه أن الجماهيرية العربية الليبية شعباً وقيادة قد لعبت دوراً كبيراً في إنجاح المؤتمر… فشعبها كان في شبه تظاهرة لمسيرة دائمة، تحيط بقصرالشعب حيث انعقد المؤتمر وتردد على مسامع الرؤساء والقياديين الشماركين الشعارات التي كادت تنسى والتي حاولت زيارة السادات أن تغتالها “فلسطين عربية”، “شعب عربي واحد” “جيش عربي واحد”، “علم عربي واحد”، “الوحدة.. الوحدة… الوحدة” “الفاتح ثورة شعبية” “الفاتح وحدة وحرية” “وناصر… ناصر”. هذا في حين غطت الشوارع اللافتات والملصقات التي تنادي بالمقاومة وتؤكد اللاءات الشهيرة إلى جانب رسوم كاريكاتورية تندد بالخيانة والخونة، وتدعو إلى الصمود.
… وتبقى أسئلة
على إن نجاح المؤتمر لا يلغي حقيقة أن ثمة بعض الأسئلة تبقى مطروحة ومعلقة منها:
1 – لماذا تأخر المؤتمر في الصومال إلى النتيجة المرجوة منه؟
2 – لماذا انسحب الوفد العراقي، ولم يشارك في احتفال التوقيع على بيان طرابلس؟
3 – ثم… ماذا كانت موقف الأطراف في البداية وكيف تطورت باتجاه التلاقي؟ وأين موقع “الوثيقة الفلسطينية” من هذا كله؟
في الجواب على السؤال الأول يمكن أن يقال أن المؤتمر قد تأخر 36 ساعة عن الموعد المفترض لانتهائه، أو 24 ساعة في أقل تعديل وكان كل شيء جاهزاً بالفعل لإعلان بيان طرابلس ظهر يوم الأحد، والبعض توقعه عند منتصف ليل السبت – الأحد.
أما لماذا التأخير؟ فلأن الجميع كانوا حريصين على وحدة الموقف. وعلى أن يأخذ العراق دوره في المعركة وفي “الجبهة القومية” ولأن الجميع يدركون طبيعة المرحلة الخطرة التي يعيشونها وضرورة تجميع القوى والطاقات كافة لخوض معركة منتصرة ضد النهج الاستسلامي الذي بلغ ذروته بزيارة السادات لإسرائيل، فقد توسعت المناقشات لتشمل الاحتمالات كلها. وكانت ثمة مراجعات وحسابات ووقفات تأمل حتى يأتي التوقيع على البيان تتويجاً لاتفاق كامل “وتفصيلي” بين الأطراف المشاركة وتركز الجهد بغير حدود، على محاولة إنهاء أزمة الثثقة في العلاقات بين دمشق وبغداد. وسهر الرؤساء ليلتين على الأقل من أصل أربع ليال لهذا الموضوع بالذات، وأخروا إعلان اتفاق “الخمسة” حتى استنفذت السبل مع “السادس” لكن كل شيء انتهى مع فجر الاثنين إلى طريق مسدود، حين رأى الصحافيون – من دون أن يفاجأوا – الوفد العراقي يخرج من قصر الشعب ووجوه أعضائه المجهدة والمتعبة تقول كل شيء عبر ملامحها الصارمة والمتجهمة…
لماذا انسحبوا؟
العراقيون يقولون أنهم يريدون أكثر مما صدر، وإن المطلوب هو إدانة المرحلة السابقة والمنهج السياسي السابق الذي كانت تعتمده القيادة السورية ومنظمة التحرير الفلسطينية والذي كانت زيارة السادات، نتيجة منطقية له. ويقولون أن باب التسوية يجب أن يقفل نهائياً. ويجب أن يخرج الأسد على الناس بنقد ذاتي لمجمل ممارساته، منذ 1973 بل ربما منذ 1970، كشرط لفتح الباب للبحث بضرورة قيام جبهة تضمهم وإياه والأخرين.
إنهم يرون أن نهجهم كان الأصح وهم لا يتوقفون كثيراً عند زيارة السادات التي يدينونها والتي عبروا عن رأيهم فيها إذاعياً وصحافياً وببيانات رسمية. وهم يعترضون على إجراءات المقاطعة، لأنها في رأيهم تصيب الشعب في مصر وليس النظام، على هذا فقد ظلوا يصرون وحتى اللحظة الأخيرة أن يتضمن البيان نصاً صريحاً برفض القرارين 242 و338، ومؤتمر جنيف. والخروج نهائياً من دائرة التسوية. وإنه بعد أن يتحقق ذلك عملياً، يمكن أن تدخل وحدات من جيشهم إلى سوريا، وتقوم الجبهة القومية بتفجير الطاقات الجماهيرية صانعة مرحلة مد ثوري جديدة.
أما الآخرون من المشاركين فيقولون أن الموقف العراقي من المؤتمر ظل في أساسه هو هو، منذ البداية وحتى النهاية، فهم في الأصل لم يكونوا متحمسين للحضور ولهذا لم يستقبلوا جلود عندما زارهم في بغداد. وردوا على رسالة الأسد الشخصية والمطالبة بفتح صفحة جديدة بمذكرة عمموها على الرؤساء الآخرين تقع في 25 صفحة فولسكوب منها 18 صفحة هجوم على سياسة الأسد و3 صفحات هجوم على سياسة م.ت.ف. في مجال التأكيد بأن موقفهم وحده كان سليماً باستمرار. ثم إنهم دعوا إلى قمة مصغرة في بغداد في الموعد المقرر لقمة طرابلس، فلما أجمع الرأي على طرابلس امتنعوا بداية عن المشاركة ثم شاركوا في اللحظة الأخيرة وبوفد لا يملك صلاحية التقرير.
وكان واضحاً ان الوفد جاء لتنفيذ مهمة محددة ومكتوبة، أو بالأحرى لإبلاغ رسالة ليس إلا، بدليل أنه ظل بعيداً عن التأثر بمجريات النقاش وتطوراته وحتى حين تحرك الفلسطينيون جميعاً للضغط عليه من أجل تعديل موقفه (ناهيك بالليبيين والجزائريين) فإنه لم يكن يملك غير الصمت والعودة للإصرار على تطبيق ما جاء به. أكثر من هذا عاش المؤتمر أزمة صامتة سببها أن الوفد بلا رئيس وإن قيادته جماعية فحين قرر الرؤساء عقد اجتماعات مغلقة وطلبوا من الوفد العراقي انتداب من يمثله جاءهم الجواب “نحن الثلاثة (طه الجزراوي، وعدنان الحمداني ونعيم حداد)، ونحن ثلاثة نمثل رئاسة الوفد” أما الوفد فيتكون من وزير الخارجية ووكيلها وبعض الموظفين والمرافقين الحزبيين. وليس إلا بعد اتصال مع بغداد، حتى أمكن تخطي هذه القضية وحل الإشكال باعتماد طه الجزراوي رئيساً للوفد لكن الوفد كان محكوماً بالانسحاب. ومؤكد أن أعضاءه ورئيسه عانوا كثيراً من الحرج لكن “الله غالب” على رأي الليبيين. ومن بغداد لا يجيء غير المطالبة بالثبات على الموقف وليكن بعد ذلك ما يكون؟
وهكذا عند الساعة الثانية والربع من منتصف ليل الأحد – الاثنين، لم يعد ثمة مجال لمزيد من النقاش. كان المؤتمرون رغبة منهم في الخروج بموقف موحد قد أبدوا استعدادهم لتأجيل إعلان قيام الجبهة وتشكيل لجنة للدرس ووضع الركائز وفقاً لمطالب بغداد، لكن حتى هذا التنازل لم يفد فخرج العراقيون صامتين. وأكمل الخمسة إنجاز المهمة فعاودا إلى المشروع الأصلي، بينان طرابلس وإعلان قيام الجبهة مع ترك الباب مفتوحاً أمام العراق أساساً، ولغير العراق ممن يرغب في المشاركة بتحمل المسؤوليات في المرحلة المقبلة.
ونأتي إلى موقف الأطراف وموقع “الوثيقة الفلسطينية”
الجماهيرية:
-يمكن تلخيص رأي الجماهيرية ورد فعلها تجاه زيارة السادات لإسرائيل بعبارة نقلت على لسان العقيد معمر القذافي، فقد قال في خلال مناقشة كان يخيم عليها جو المماحكة موجهاً الكلام لياسر عرفات: “إذا لم نكن قادرين على التصدي فأنا اقترح عليك يا أخ ياسر، أن تركب الطائرة فوراً إلى القاهرة وأن تقدم إلى السادات الاعتذار باسمك وباسمي”.
كانوا في طرابلس يريدون الحد الأقصى ولكنهم كانوا يعلمون أن الوصول إليه مستحيل. وعلى هذا كانوا على استعداد للقبول بحد أدنى في حالة التعذر والحد الأدنى هو قطع أي علاقة مع نظام السادات، وقيام الجبهة القومية المتضمنة قيادة سياسية موحدة، وحلاً اقتصادياً تدعمه قاعدة اقتصادية متينة تسخر لها إمكانيات الأطراف المشاركة جميعاً وكانوا في طرابلس مستعدين لتحمل أي شيء من أجل النجاح في التصدي لزيارة السادات ونتائجها، لقد تحملوا كثيراً وأثبتوا أنهم صبورون إلى أقصى حد ودبلوماسيون ناجحون متى شاؤوا وقادرون على تجاوز الحوادث الصغيرة من أجل الهدف الكبير. فعلى سبيل المثال، فإن عبد السلام جلود الذي طار من بغداد غاضباً بادر عبد العزيز بوتفليقة الذي استقبله بمطار الجزائر بقوله “جهز نفسك للسفر فوراً على بغداد، يجب أن نبذل كل جهد ممكن من أجل تدعيم صمود الأمة، ومن أجل ألا نخسر العراق” ثم إنهم ومن أجل أن توحد المقاومة صفوفها، بذلوا جهداً خرافياً في تذليل المصاعب والاشكالات التي رافقت تشكيل الوفد الفلسطيني، ثم ترتيب جلوس أعضائه الـ 24 مع سائر الوفود الرسمية رغم كل ما بين الفصائل من خلافات. وألحوا حتى أعطي الدكتور حبش الكلام بوصفه ممثلاً لوجهة نظر الرفض. ولأن اعتراضاته أساسية على المنهج السياسي المعتمد من قبل قيادة م. ت.ف. ولو يتوفقوا طويلاً عند تفاصيل الخلاف. كانوا يضغطون باتجاه الاتفاق على الجوهر. وكانوا أسعد الناس قطعاً حين وحد الفلسطينيون موقفهم وبدأوا يمارسون دور الضاغط على المؤتمر من أجل الخروج بنتائج إيجابية.
الجزائر:
جاء الرئيس الجزائري وهو يخشى أن يكون المؤتمر مجرد تظاهرة سياسية. وكان قد بذل جهداً خاصاً مع العراقيين لإقناعهم بعدم التخلف.. ثم إنه جاء وعيونه على المغرب. فالحرب مع المغرب قد تقع بين عشية وضحاها على حد ما أكدت مصادر الوفد الجزائري خصوصاً بعد التدخل الفرنسي في موريتانيا. ولعل أبلغ ما يلخص موقف الجزائر. كلمة نقلت على لسان الرئيس بومدين في أحد الاجتماعات المغلقة. فلقد ذكر أنه قال معقباً. عي أزمة الثقة بين العراق وسوريا: “استغرب أن تكون عند السادات الشجاعة الكافية لأن يركب طائرة إلى إسرائيل، ولا يركب البكر أو صدام حسين طائرته إلى دمشق أو إلى هنا، متجاوزين كل شيء من أجل مصير الأمة بل وجودها ذاته” على أن ما لمسه جميع الحضور هنا. هو أن مشاركة الجزائر الجدية في المؤتمر قد أكسبت مقرراته ملامح عملية وعلمية وساهمت في تحويله من تظاهرة سياسية تكتفي بالرفض والإهانة، إلى خطة عمل محددة للمستقبل. يفترض أن تتولى الجزائر مسؤولياتها (مع الليبيين) لمعالجة موضوع العراق مستقبلاً.
سوريا:
جاء السوريون إلى طرابلس وفي أذهانهم تساؤلات عدة: هل يمكن أن يخرج المؤتمر بنتيجة؟ هل يمكن أن نعوض بالعراق مصر؟ وماذا سيكون تأثير النتائج لو جاءت سلبية على التطورات في المستقبل؟ ماذا سيكون رد فعل الحكم في الأردن لو نجح المؤتمر؟ وماذا يكون أثره لو فشل؟ وماذا عن ردود الفعل المحتملة في الساحة اللبنانية ولاسيما الجنوب؟ ثم… أين نقف من السعودية وإمارات الخليج إذا حسمنا أمرنا في هذا الاتجاه؟ والسوفيات ومشاريع التسوية؟… الخ
وبالتأكيد فإن ما سمعه خدام في موسكو. التي زارها عشية مؤتمر طرابلس قد طمأن الأسد ثم إن ما لمسه في طرابلس سواء من الليبيين أم من الجزائريين واليمنيين ولاسيما من الفلسطينيين. قد زاد من طمأنينته، وشد من عزيمته وهكذا حسم معركته مع السادات. فأقر مع العقيد القذافي طرد السادات من رئاسة دولة الاتحاد، وجمد العلاقات الدبلوماسية معه، وفرض الحظر على كل من زار إسرائيل أو تعامل معها من المصريين أفراداً ومؤسسات. ووطد حلفه مع الفلسطينيين في حركة استعداد واضحة لمواجهة تهديدات السادات “بسفك دماء كثيرة في لبنان وسوريا”.
الفلسطينيون:
جاؤوا إلى طرابلس وفوداً وجبهات، وعادوا منها وفداً موحداً بخط سياسي محدد، أكثر صلابة واشد وضوحاً من أي وقت مضى.
هذا باختصار ما وقع للفلسطينيين في مؤتمر الصمود والتصدي في طرابلس.
ولا شك أن الجلسة الأولى للمؤتمر والتي تركت للفلسطينيين وتحدثوا فيها كل من موقعه، ورد بعضهم على البعض الآخر بينما سائر “العرب” يتفرجون قد جعلتهم يستفيقون إلى حقيقة بسيطة وهي أنهم يبدون كديكة المبارزة يجرح واحدهم الآخر بينما الجمهور يستمتع بالفرجة.
كان المنطق السائد… فليتفق الفلسطينيون إذا كنتم تريدون موقفاً عربياً موحداً. فلا توحد في الموقف العربي طالما ظل التشرذم والانقسام العدواني يحكم الصف الفلسطيني.
وكان الفلسطينيون يحاولون أن يقولوا أن العكس هو الصحيح وإن الأنظمة العربية هي التي تقسم الفلسطينيين لأنها أصلاً لا تريد وحدة في الموقف العربي: وهكذا قرر الفلسطينيون أن يصمتوا في الجلسات التالية وحين صمتوا تكشفت خلافات الآخرين وبدا “ضعفهم” هم منسجماً مع معطيات الوضع العربي العام. لكن هذا الضعف سرعان ما استحال قوة معنوية هائلة.
حين أخذوا، يقتربون من بعضهم بعضاً مع التزايد في اطمئنانهم إلى نواة موقف عربي صلب ومتعاطف وهكذا تمكنوا ليل السبت، أن يرسلوا “إنذاراً” إلى الرؤساء المجتمعين في لقاء مغلق بضرورة التوصل إلى اتفاق سريع، وإلا أعلن الفلسطينيون موقفهم وشهروا بالطرف غير الملتزم.
وفي صباح الأحد، وبعد فشل أطول لقاء رئاسي (7 ساعات) نفذ الفلسطينيون تهديدهم فأذاعوا وثيقتهم على الصحافيين والعالم.
ومن الإنصاف، أن يشار إلى الدور المتميز الذي لعبه الدكتور جورج حبش من موقعه الخاص من أجل تجديد الوحدة. وإذا كان أبو أياد وأحمد جبريل ونايف حواتمه قد ضغطوا من داخل مواقعهم هم فإن الدكتور جورج حبش قد استجاب للمبادرة ووضع توقيعه إلى جانب تواقيعهم، متجاوزاً تحالفه السياسي مع العراق الذي كان وفده يكافح لتأجيل قيام الجبهة وترك الأمور على حالها حتى لقاء بغداد.
وبالحق، فإن القيادات الفلسطينية عموماً، قد أكدت جدارتها وتحسسها بالمسؤولية الثقيلة، ولا بد من التنويه بالمجهودات الكبيرة. التي بذلها أحمد جبريل سواء على صعيد الجماهيرية أو على صعيد سوريا أو الجزائر حيث له صداقات وتأثير. كذلك لا بد من التنويه بموقف جورج حبش ورفاقه في جبهة الرفض. لقد وضعوا قضيتهم فوق تحالفهم السياسي، ومن خلال مصلحة القضية تعاملوا مع المؤتمرين.
وحين جاءت لحظة الخلاف مع العراقيين اختلفوا بشجاعة صاحب القضية مع استعدادهم لتجديد العلاقة إذا ما عادت بغداد فاحتلت موقعها في الجبهة القومية.
وكم كانت معبرة وناطقة تلك التظاهرة التي شهدتها قاعات الدور العلوي من قصر الشعب بطرابلس عند الساعة الواحدة من فجر الاثنين حيث اقتحم خلوة الرؤساء كل من أبو أياد وجورج حبش وأحمد جبريل، ونايف حواتمة، وزهير محسن ومعهم الآخرون، لمطالبتهم بضرورة الاتفاق على قيام الجبهة وإعلانها فوراً وبغير تأخير.
وبالتأكيد فإن هذه التظاهرة، ساهمت في حسم المناقشات بين المشاركين وعجلت في أن يقرر الوفد العراقي الانسحاب بعد ما ثبت أنه وحيد تماماً وإنه فقد التغطية الفلسطينية لموقفه المتشدد ضد سوريا ومن يناصرها ولو بشروط. وبقي الآن أن تحمي الوحدة الفلسطينية التي تجددت بوثيقة طرابلس، وبرغم أن كل فصيل يعتبر إقرارها وتوقيعها انتصاراً له، فإنها في حقيقتها انتصار للقضية وللحريصين على المقاومة، والقيادة في الجماهيرية بشكل خاص لأنها تعمل من أجل الوصول إليها منذ سنين، دون أن يلغي هذا دور الجزائر والآخرين.
اليمن الديموقراطي:
سبقت عبد الفتاح اسماعيل إلى طرابلس أخبار التحشدات السعودية على الحدود اليمنية. وكذلك التحرشات الصومالية. ولعله جاء وهو خائف من أن يفشل المؤتمر لأن الفشل يكلف وستدفع ثمنه عدن. إضافة إلى سوريا وفلسطين، وبمقدار ما كان المجيء تعبيراً عن شجاعة وعن تمسك بالموقف المبدئي، فإن النتائج الطيبة لا بد أن تحمل إلى اليمنيين بعضاً من الطمأنينة وإن كانت ستزيد التحرشات.
هذا عن موقف الأطراف المشاركة فماذا عن غير المشاركين؟
في تقدير الدوائر المسؤولة هنا إن نتائج المؤتمر ستعطي نتائج طيبة أبرزها:
1 – عزل نظام السادات عربياً بحيث يمتنع الجميع عن التعاطي المباشر معه. “وكان خبراً ذا دلالة أن تمتنع الكويت عن استقبال حسني مبارك”.
2 – تجميد مواقف المسؤولين العرب الآخرين الراغبين في أن يسيروا على طريق السادات. ويذكر في هذا المجال أن زيارة نميري للقاهرة في أعقاب عودة السادات من إسرائيل قد أحدثت أزمة كبيرة في السودان. وكان يفترض أن يجيء موفد سوداني كبير إلى طرابلس في خطوة تستهدف التخفيف من الآثار السلبية لتلك الزيارة. ومحاولة تبرئة الذات من مسؤولية الاشتراك مع السادات في تخطيطها.
3 – إنهاء عصر التردد عند مسؤولين عرب آخرين بحيث يتحرك كل حسب طاقاته وقدراته لإدانة السادات والمساهمة في مواجهة النتائج المدمرة لمشروعه – المؤامرة.
4 – تأكيد استمرار الترابط النضالي والعضوي بين المشرق والمغرب برغم ما صدر عن الرئيس المصري، ووحدة الموقف في المعارك المصيرية.
5 – تعزيز التيارات والاتجاهات القومية والتقدمية، بزخم جديد أعماله في طرابلس تحت شعار “اسقاط النهج الاستسلامي وإحباط النتائج المدمرة لزيارة السادات”ز
6 – تعزيز العلاقات العربية السوفياتية في مواجهة الحلف الأميركي الصهيوني المعزز الآن بالخط الاستسلامي للحكم المصري.
… والبقية تأتي.

Exit mobile version