طلال سلمان

رحيل الفارس: مصطفى نبيل

بصمت يليق بأصحاب النفوس الكبار، رحل مصطفى نبيل عن دنيانا، في القاهرة أمس، الثلاثاء..
انطوى على نفسه «الفارس» الذي كثيراً ما قاتل في معارك كان يعرف أنه سيخسرها، لأنه لا يملك من السلاح إلا شهامته واعتزازه بالموقف الصح، وغاب وقد اطمأن أن فتية الميدان سيكملون المهمة المقدسة فيعيدون إلى العاصمة التي أطلق على ابنه لقبها المشرف، المعز، الجدارة بالدور وأهلية القيادة.
الصحافي منذ نصف قرن، تقريباً، خرّيج مدرسة أحمد بهاء الدين في الصحافة حيث الدقة لا تنفصل عن الحماسة، وحيث الأمانة لا تنفصل عن الكفاءة المهنية، والذي تدرّج في دار الهلال من محرر ثم مراسل متجول لتغطية الأحداث العربية، وانتهى إلى تبوّء الموقع الصعب: رئاسة تحرير مجلة «الهلال» الشهرية. انطوى على نفسه في البيت الذي ابتناه بعرق الجبين في منطقة الهرم، وغاب عن دنيانا.
ولأنه، كالعديد من جيل الشباب، في السبعينيات، آمن بقيادة المفكر والكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، فقد لحق به إلى الكويت، حين نفى «بهاء» نفسه من قاهرة يتحكّم بقرارها أنور السادات، إلى مجلة «العربي» التي وفرت له الفرصة لأن يخرج من الصحافة السياسية، يومية وأسبوعية، إلى أفق أرحب مثلته ـ في لحظات معينة ـ الصحافة الثقافية…
أخو الشهيد في حرب الاستنزاف، الداعية للجهاد في فلسطين، المناضل داخل مصر، «المقاتل» من أجل عزتها ومن أجل الدور الذي تستحق والذي لا توفره لها إلا عروبتها، كان يهرب من المناصب التي يأتي بها الولاء للحاكم، والنفاق لمن ولاّه على هذه أو تلك من المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة.. وهو قد وجد في مجلة «الهلال» الملجأ، فعكف على توطيد علاقاته مع المفكرين والكتّاب والبحاثة، فأعاد إحياء هذه المجلة العريقة التي كانت مهددة بالموت، في ظل حكم الطغيان الذي لا يقرأ ولا يحب أصحاب الفكر والرأي ويمتعه أن يسمع مداحيه فيغدق عليهم من عطاياه مناصب ومواقع تدر ذهباً.
رحل مصطفى نبيل عبد الخالق، والد «المعز» و«هند» الذي كان يستمد الشجاعة من زوجته ذات الشخصية القوية «منى» بعد أن اطمأن إلى مستقبل أحفاده بفضل «الميدان» وثواره الذين سيكتبون مقدمة التاريخ العربي الحديث.
.. ويا أبا المعز: لقد فجعنا الرحيل المفاجئ، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وإلى اللقاء.
طلال سلمان

Exit mobile version