قلة من الرجال يخرجون من الوزارة او سائر مواقع السلطة في لبنان أكبر مما دخلوها، أحد أبرزهم: الدكتور نجيب أبو حيدر، الذي فقدناه بالأمس.
منذ زمن بعيد اكد الدكتور نجيب أبو حيدر في نفسه الكفاءة لان يكون »الرجل العام«، الانساني من موقعه كطبيب يعالج الناس ويخفف من آلامهم، والمهتم بالشأن العام من موقع المعني والمهتم والمهموم بالقضايا التي بها تكون الاوطان.
ولانه على هذا الكبر، فلقد شغلته هموم الامة لا هموم الطوائف، وانخرط في العمل القومي العام من دون تحزب، وترفع عن صراع الديوك المحلية فظل مركز استقطاب »العامة« من الناس، يشعرون معه بروابط القربى والالفة ومشكى الضيم.
وهكذا تكاملت فيه شخصية »الحكيم«، برغم طبيعته الانفعالية ورفضه للنفاق وشجاعته في مواجهة الغلط.
وبهذه الصفات استطاع ان يحمي »حمانا« الجميلة، ان يحمي جوها النفسي بين فئاتها، وان يحمي طبيعتها، وان يحمي صلات الرحم مع محطيها، وان يحمي مدارسها وتراثها العمراني الانيق، اذ كان يقاتل دفاعاً عن البيئة بالزخم ذاته الذي قاتل فيه الغلط في الادارات الرسمية وفي المؤسسات الخاصة.
بل لقد كان له فضل، لا بد من ذكره، في حماية الجامعة الاميركية في بيروت وفي حماية مستشفاها، خلال الحرب الطويلة، وتأمين استمراره مفتوحاً أمام الضحايا الفقراء والذين ليس لهم من يساعدهم اذا ما نكبوا في صحتهم أو اصيبوا برصاص الطائشين من الميليشيات.
لقد ترك الدكتور نجيب أبو حيدر بصمته حيثما مر: من النادي الثقافي العربي الى مجموعة كبرى من النشاطات ذات الطابع القومي والتقدمي، فضلا عن وزارة التربية حيث ظلمه الموقع وظلمته اغراض الذين لا يريدون ان تكون هذه الوزارة تحديداً حاضنة وطنية لناشئتنا.
لقد خسر لبنان واحداً من رجال زمنه الجميل.
رحم الله نجيب أبو حيدر، »الرجل العام« والصارم مع نفسه كما مع الآخرين حتى في مواجهة مرضه الطويل والمضني.