.. ولقد انتهت رحلة «البيك الوسيم» حسن حمية، البعلبكي ابن طاريا، الذي حظي والده محسن، وحده بلقب «البيك» العثماني، بينما كانت والدته من «السادة الحسينيين»، في أقصى الأرض، وعند نقطة تقع على التخوم بين كندا والولايات المتحدة الأميركية، بعيداً عن كل مَنْ وما يشده إلى أصوله وبيئته الأصلية.
من طاريا إلى بيروت حيث أنهى دراسته الجامعية، وصاهر واحداً من رجال الدين العلماء الأجلاء، قبل أن يغادر بمنحة إلى بلجيكا ليكمل دراساته العليا.. وهناك تزوّج مرة أخرى امرأة جميلة، وعاد بها إلى لبنان مزوداً بثقافة واسعة أخذته إلى الصحافة، مع النقيب الراحل رياض طه… لكنه لم يلبث أن غادر بيروت، إلى الكويت، هذه المرة، ليعمل في مجلة «صوت العروبة» التي كان «مؤسس الصحافة الكويتية» الراحل عبد العزيز المساعيد قد أصدرها إلى جانب جريدته «الرأي العام»، فلم تعش إلا شهوراً قليلة قبل أن يغلقها بعدما اكتشف أنها تغرد خارج السرب.
ولسوف يرحل حسن حمية، مرة أخرى، وثالثة ورابعة وخامسة: عبر جامعة الدول العربية موفداً، وقبل أن يعود إلى المغامرة الصحافية في ديربورن بولاية ميتشيغن الأميركية، ثم عبر إلى كندا، ممتهناً التنقل بينهما بحثاً عن أحلام أخرى.
عاش «البيك الوسيم» حياة من القلق الوجودي، لا يستقر على حال ولا في مكان، يطارد أحلامه وتطارده هواجسه، مغترباً في واقعه عن واقعه، يقبله الآخرون مرحّبين، ولكنه سرعان ما يضيق بالمكان وناسه فيهاجر مرة أخرى إلى أحلام تتهاوى أوهاماً فلا ييأس بل يكمل التجوال بين الأمكنة والمهن: من الصحافة إلى الدبلوماسية وبالعكس، مزوَّداً بتلك الابتسامة التي تفتح له أبواب الصداقة مع من حوله، حتى لو لم يعرفهم أو يعرفوه بكليته: بطموحاته وأحلامه التي تأخذه بعيداً عن واقعه.
لم يأت «غودو» لنجدة ابن طاريا الذي أمّه من السادة، وأبوه الوحيد حامل لقب «البيك»… فمات حسن حمية وحيداً بعيداً عن أرضه وعن أهله الأقربين من دون أن تفارقه ابتسامته المشعة تفاؤلاً في الزمن الصعب… وهكذا فقد رحل غريباً في أرض غريبة، وكأنه يختتم تجواله خلف أحلامه المستحيلة!
طلال سلمان