طلال سلمان

رحيل ابتسامة محزونين ابراهيم مرعشلي

انطفأت ابتسامة كانت تضيف إلى وجه لبنان بعض الإشراق إذ تسحبه بعيداً عن ابتذال السياسيين وركاكة ممارساتهم وسماجة تصريحاتهم فضلاً عن »مواقفهم« التي مثل اليويو!
لم تنكس الرايات، ولم تقطع الإذاعات ومحطات التلفزيون برامج الترفيه والتسلية، ولم يعلن الحداد رسمياً: فماذا أن يموت فنان، و»كوميديانتي«؟ وماذا لو قيل إنه كان حبيب الأطفال، وإنه كان مؤنس العائلات بظرفه وبحضوره اللطيف، وبقدرته على إدخال البهجة إلى القلوب، حتى وهو يعرف أن موته أقرب إليه من ظله؟!
رحل إبراهيم مرعشلي بهدوء، فلماذا الحداد وفي لبنان كل هذا الكمّ من المضحكات، بدءاً من المستوى الرئاسي إلى المستوى الحكومي فإلى المستوى النيابي فإلى ما دون ذلك، إن كان ثمة ما دون ذلك؟
رحل إبراهيم مرعشلي بصمت، فلماذا الضجة طالما أن التمديد قد تمّ ولله الحمد، وقرار مجلس الأمن بلا قدمين، ومجلس الجامعة العربية قد دعم العلاقات المميزة بين لبنان وسوريا؟!
رحل إبراهيم مرعشلي… ماذا أن يختفي هذا الفنان الذي كان قادراً على أن يظهر الوجه الكاريكاتوري للمواقف والأحداث؟!
هل كانت لإبراهيم مرعشلي القدرة على أن يزايد على جورج بوش في ابتداع المواقف الطريفة، وفي انتزاع الضحكات من قلوب المفجوعين بالمآسي التي يتسبّب بها من بغداد إلى واشنطن وبالعكس، وهو يخطئ في الأسماء وفي التسميات وفي الجهات الأصلية كما في الإملاء؟!
هل كانت لإبراهيم مرعشلي القدرة على منافسة أرييل شارون وهو يظهر في صورة من يقاتل وحوش المستوطنين الذين أقطعهم قلب فلسطين، ومع ذلك فالعالم يتابع بشغف هذا »الصراع الديموقراطي« ويده على قلبه خوفاً من انتصار اليمين على الأيمن؟!
هل كانت لإبراهيم مرعشلي القدرة على ابتداع موقف كاريكاتوري أشد إيلاماً في سخريته المرّة من تهديد »مقاومين« عراقيين بقتل »مجندين لبنانيين« أو »عملاء أمنيين« يقاتلون تحت الراية الأميركية لكي يحصلوا على الجنسية المذهبة ومعها على ثلاثين من الفضة؟!
هل وصل الخيال بإبراهيم مرعشلي إلى حد تصور حرب أميركية على الأسرة السعودية بعد صداقة عمرها أكثر من سبعين سنة، أما التهمة فهي أن نظام المملكة غير ديموقراطي وغير منتخب ولا يقرّ بحق المرأة في قيادة السيارة؟!
هل كان إبراهيم مرعشلي بكل موهبته قادراً على ابتداع شخصية مثل أسامة بن لادن، أو الملا عمر، أو أبو مصعب الزرقاوي، ثم على إعطائها وكالة حصرية عن الإسلام والمسلمين؟!
وهل كان إبراهيم مرعشلي بكل كفاءته في تجسيد المفارقات قادراً على تخيّل الأمين العام للأمم المتحدة يعترف بأن الحرب الأميركية على العراق إنما خيضت من خارج الشرعية الدولية، وذلك بعد سنة ونصف سنة من ارتكاب الأميركيين لها، وبعد أكثر من أربعين ألف قتيل ومئات ألوف الجرحى وعشرات آلاف المعتقلين من العراقيين، فضلاً عن البيوت والمرافق العامة وفيها الجامعات والمدارس والمستوصفات وقد دمرت؟!
كل ما في الأمر أن فناناً لم يعرف العالمية ولم تعرفه قد انطفأ.
كل ما في الأمر أن إنساناً طيباً لم يسعده حظه بأن يصير نديماً للملوك والرؤساء والأمراء، يضحكهم من الناس، فبقي »تحت« يضحك الناس من ملوكهم، ويضحكهم أيضاً من أهوائهم وتصرفاتهم وأخطائهم؟!
كل ما في الأمر أن ابتسامة قد انطفأت على وجه لبنان.
كل ما في الأمر أن كثيراً من الأسر، ولا سيما الأطفال، سيفتقدون هذا الظريف، اللطيف، الذي كان يدخل قلوبهم بلا استئذان، والذي كان يمنحهم الابتسامة من قلب ألمه الممض الذي عاش معه سنوات دون أن يشكو لغير الله ودون أن يكره الذين أنكروه فأهملوه بينما حفظه الناس في قلوبهم.
إبراهيم مرعشلي: لقد خنتنا أخذت الابتسامة ورحلت وتركت لنا ضحكاً كالبكاء!

Exit mobile version