طلال سلمان

راس مال جبان لكن وطن واهلة هم مصدر

كشف التفجير الذي استهدف أمن لبنان واللبنانيين جميعاً وهدأة الإفطار الرمضاني، مساء الأحد الماضي، عبر المركز الرئيسي لبنك لبنان والمهجر، أن اللبنانيين قد تجاوزوا، في لحظة الخطر، مجمل ملاحظاتهم على السلوك أو السياسة الاجتماعية التي تعتمدها المصارف بمجملها، والتي يرون فيها تقصيراً غير مبرر تجاه شعب هذا الوطن الصغير الذي منحهم الفرصة لأن يحتلوا مكانة مميزة في البلاد العربية عموماً، وأضاف إلى رصيدهم المعنوي على المستوى الدولي.
لقد هبّ اللبنانيون، فقراؤهم قبل الأغنياء، إلى استنكار هذا الاعتداء وإدانة مَن أقدم عليه، إذ رأوا فيه ـ بداية ـ استهدافاً للأمن الوطني لأغراض سياسية خارجية، لا يُستبعد أن تكون إسرائيل فيه فضلاً عن كونها في طليعة المستفيدين منه، خصوصاً مع النفخ والترويج لأسطورة «الخصومة» بين المصارف و«حزب الله»… مع معرفة القاصي والداني بأن الحزب ـ ومنذ الأصل ـ لا يستخدم المصارف في حركته المالية لأسباب مفهومة.
كذلك فقد وجد فيه اللبنانيون تهديداً خطيراً لما تبقى من أمنهم الاقتصادي في ظل الأوضاع السياسية المتهالكة وعنوانها تغييب الدولة بمؤسساتها مما يأخذهم إلى اليأس، مولّد الخوف على المستقبل.
ومع أن المواطنين يخشون من تعاظم دور المصارف في حياتهم، وهي التي تتقدم في حالات كثيرة لتأخذ دور الدولة، إلا أنهم يرون في ذلك ضرورة لا سبيل إلى تجنبها، خصوصاً وأنها دخلت في صميم حياتهم وتفاصيلها اليومية.
فالمصارف لم تعد «كونتوارات» تُقرض عشوائياً وتسلّف بفوائد عالية بعيداً عن الرقابة، ومن ثم المحاسبة، مستغلة حاجة المواطن إلى إسناد مالي، ولو بالاقتراض، بل هي قد غدت مؤسسات كبرى برساميل محترمة ومساهمات جدية، داخلية وعربية وأجنبية، وصارت شريكاً فاعلاً في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية للبلاد.
ثم إن مصرف لبنان، تحت إدارة الحاكم المقتدر رياض سلامة الخبير بأحوال أسواق المال، ودور «الشرطي» الأميركي المتجبر، أثبت بُعد نظره وقدرته على توسيع الفرص أمام التجدد والتجديد، عبر الأخذ بأسباب التطور المفتوحة على الغد بالآليات الحديثة، و«حرّض» ـ حتى لا نقول إنه أجبر ـ المصارف أو أنه وسّع أمامها دورها في خدمة مجتمعها، من فائض ربحها.
لكن المصارف ما تزال مقصّرة في هذا المجال. ويمكنها برساميلها المتزايدة، وبنجاحاتها التي يؤكدها تزايد فروعها في العديد من البلاد العربية والأجنبية… علماً أن واجبها الوطني يفرض عليها أن تهتم بالشأن الاجتماعي فتسهم، مثلاً، في بناء المدارس الرسمية والمستشفيات العامة والمستوصفات، ودعم الجامعة الوطنية، فضلاً عن دعم الجيش والقوى الأمنية. ماذا، مثلاً، لو زوّدت الطلاب في المدارس والجامعة الوطنية بالحواسيب؟
وبدلاً من أن تتخذ المصارف هذا الموقف التشهيري بـ«حزب الله»، والذي زايدت فيه على الإدارة الأميركية، مع وعيها بأن دور المقاومة في إجلاء المحتل الإسرائيلي، ثم في صد حربه على لبنان في تموز ـ آب 2006، قد أضاف إلى رصيد لبنان عربياً ودولياً… وزاد بالتالي من أرصدة المصارف، سواء بأموال المغتربين الذين أقبلوا بأموالهم إليه، أو بالأموال العربية (العراق، مثلاً، وأقطار أخرى يعرفها المعنيون، ولا ضرورة للتشهير..).
لا أحد يطالب المصارف بمواجهة الإدارة الأميركية أو مناطحة وزارة الخزانة فيها، أو الامتناع العبثي عن مراعاة «تعليماتها» الإسرائيلية، فذلك خارج القدرة.. ولكن من حق اللبنانيين أن يطالبوا أرباب المصارف بألا يأخذهم الرعب إلى المزايدة على القرارات الأميركية المكتوبة بالحبر الإسرائيلي.
وليس «حزب الله» بحاجة إلى أن يُدافَع عنه أو يُشهد بدوره المطرّز بدماء الشهداء في ردع العدو الإسرائيلي عن تهديد لبنان أو التفكير، مرة أخرى، بغزوه..
لكن أن يتم التشهير بهذا التنظيم المجاهد نفاقاً للإدارة الأميركية أو خوفاً من «سيف السلطنة الطويل»، فذلك يسيء إلى وطنية مَن يأخذه الرعب منها، فيقدّم إليها ما لم تطلبه مما يمس بكرامة لبنان وشعبه ودماء الشهداء الذين رووا أرضه بدمائهم الطاهرة.
هل من الضروري القول إن التفجير الذي استهدف بنك لبنان والمهجر كان يرمي إلى تحقيق مثل هذا الغرض، فيتهم البريء ويُدان بلا دليل وتتم تبرئة صاحب الغرض والذي يهدف إلى هزّ الاستقرار في لبنان وتحطيم القيم الوطنية.
صحيح أن رأس المال جبان… ولكن الوطن وأهله هم مصدر المال ورأس المال. لذلك اقتضى الإيضاح.

Exit mobile version