طلال سلمان

رابين كلينتون صوت سوري

يلتقي إسحق رابين، الأكثر أميركية بين الإسرائيليين، إدارة كلينتون، الأكثر إسرائيلية بين كل الادارات الأميركية، لكي يتدارسا معù اليوم وسائل إنقاذ »الاتفاق« الأشوه مع ياسر عرفات، بالحبل السوري المعد أصلاً لشنقه!
وهو يذهب إلى واشنطن وقد أعدّ المسرح لنتائج مغايرة تمامù لتلك التي يعلن أنه إنما يسافر في طلبها، أي إعادة الروح إلى »العملية السلمية« التي لا يعرف أحد أهي حية فترجى أم ميتة فتنعى، والموضوعة في غرفة العناية المركّزة، في انتظار معجزة ما:
} فهو استبق السفر بمصادرة المزيد من الأراضي المتبقية لما كان يسمى »القدس العربية«، ممهدù لبناء »مدينة جديدة« تضم خمسة وأربعين ألف وحدة سكنية لمستوطنين جدد،
أي أنه فضح على الأرض طبيعة ما تمَّ التوقيع عليه في ورق اتفاق أوسلو من التواطؤ الضمني: هو اتفاق حول سلطة شرطة في غزة أولاً وأخيرù، تقوم على حراسة الاحتلال الإسرائيلي لباقي الضفة الغربية التي تذوَّب تدريجù ومنهجيù داخل القدس الأخرى (العاصمة الموحدة والأبدية لدولة إسرائيل)، ولا دولة أو كيان سياسي من أي نوع للفلسطينيين، اللهم إلا عبر مملكة الحسين في الأردن، إذا هو قبل بهم واستجاب لرغبتهم، أو ارتضوا الضفة الشرقية وطنù بديلاً.
أما »الأماكن المقدسة«، فيمكن أن تكون لها صيغة »دولية« ما، يقبلها الفاتيكان كما يقبلها أمير المؤمنين في المغرب، تسمح بإبقاء معبر حرّ للمشاة، مثلاً، وبرفع أعلام دول الأرض جميعù فوقها، بما فيها علم النوستالجيا الفلسطينية والعربية والإسلامية والمسيحية أيضù!
} ثم إنه رمى، عشية سفره، مزيدù من الزيت (والدم) على النار المشتعلة دومù على الجبهة مع لبنان والمقاومة (الإسلامية) فيه، ومع سوريا، ولو بالاستطراد،
في المقابل، كان بيل كلينتون يهيئ للتلاقي مع ضيفه الحميم على أرض العداء المطلق للعدو المشترك الأخير (؟!)، فيذهب الى احتفال يهودي لمناسبة الذكرى السابعة والأربعين لإقامة الكيان الصهيوني، ويضع القلنسوة على رأسه وشيمون بيريز إلى يمينه، ومن هناك يعلن الحرب الشاملة ومن طرف واحد على إيران الثورة الإسلامية ومن والاها وناصرَها أو امتنع عن محاصرتها وقتالها!
ولأنه »الرئيس«، فقد تحفّظ رابين في توقعاته وإن كان تشدَّد في شروطه، في حين كان وزير خارجيته يعلن، بلسانه بداية، ثم بلسان السفير الأميركي الجديد في تل أبيب »الليكودي« مارتن أنديك »ان الوصول إلى اتفاق مع سوريا قبل نهاية هذا العام، أمر محتمل جدù«..
الأدوار منسَّقة تمامù: رابين يطلب لقاء حافظ الأسد لمحادثات سرية يعرف أنها مرفوضة بالمبدأ والشكل والمضمون. في حين يجهر بيريز برفض المطلب السوري المحدَّد: الانسحاب إلى حدود 4 حزيران 1967، أما بعض الجنرالات فيتحدث عن استعداد سوريا لحرب جديدة!
وإسحق رابين الذي يخسر كل يوم المزيد من شعبيته، وبالتالي من فرصة تسنّم قمة الزعامة والسلطة باستفتاء شعبي عبر الانتخابات المقرَّرة في خريف العام المقبل، يعرف أنه ليس قويù بما يسمح له بفرض شروط مستحيلة..
مع ذلك فهو يلحّ على الشروط المستحيلة: يريد أن تفتح له أبواب سوريا على مصاريعها مقابل أن يخلي الجولان، ويطالب بأن يتحوَّل الجيش السوري إلى نوع من الشرطة لكي يسلّم بالترتيبات الأمنية العتيدة، التي لا يمكن أن تكون متوازنة أو متساوية أو متكافئة ما دام يمتلك منفردù سلاح الإبادة الجماعية: الرؤوس النووية، إضافة إلى التفوّق العسكري المطلق على العرب مجتمعين، وليس على سوريا وحدها.
البعض يقول: إن كلينتون بعد العملية الإرهابية »البيضاء« في أوكلاهوما سيتي قد استعاد الكثير من أسباب قوة »الرئيس«، وأنه مرشح الآن لأن يتحوَّل الى »القائد«، وهو منصب شاغر في الدولة العظمى،
والبعض يضيف فيقول محددù التوازنات بدقة: كلينتون الآن أقل ضعفù مما كان، ورابين أضعف قوة مما كان في أي يوم من قبل، وكلاهما بحاجة إلى »الصوت السوري« في انتخاباته الصعبة بعد ستة عشر شهرù من اليوم..
لكن »الصوت السوري« لا يؤخذ قهرù، ولا يختلس اختلاسù، ولا يعطى بالحرج أو بدغدغة مشاعر الاعتداد بالسخاء العربي، ولا يمنح تبرعù لنصرة »صديق« يعاني من ضيق ذات اليد، مثل بيل كلينتون.
والرئيس حافظ الأسد الذي عرف كيف يبتدع مكانة استثنائية لبلاده في أحلك الظروف وحين كانت القوى العظمى تحاول شطبها، سيعرف قطعù كيف يستثمر هذه الحاجة المشتركة الأميركية الإسرائيلية إلى »الصوت السوري« من أجل تحسين موقعه التفاوضي والوصول إلى أفضل الشروط الممكنة لتسوية مقبولة.
وإذا كان زعيم المعارضة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد توجه بالخطاب إلى سوريا مؤكدù أنها لا يمكن أن تحصل من حزبه (الليكود) على انسحاب كامل من الجولان لم تحصل عليه من معتدلي »حزب العمل«، فإن دمشق أثبتت دائمù أنها تملك من الوقت ومن القدرة على الصمود ما يكفي لكي تقتنع إسرائيل بأن ذلك الانسحاب مصلحة إسرائيلية، وإلا انهارت كل المكاسب التي نالتها من العرب الآخرين جميعù، سواء على يدي »الليكود« أو »العمل« أو حكومات »الاتحاد الوطني«.
والمنتصر دائمù هو من يحسن استثمار عنصر الوقت، لا سيما مع دول وكيانات وزعامات تعيش على الساعة!

Exit mobile version