طلال سلمان

رئيس وحدة وطنية

نتمنى، بداية، أن تكون معركة اختيار الرئيس الجديد قد قاربت، بالفعل، خاتمتها المرتجاة.
وبغض النظر عن أي اعتراض مبدئي على نقص الديموقراطية في عملية القرعة التي تمّت، على يديّ البطريرك صفير، وبحضور الدول جميعاً، والتي ستتكامل فصولها بالقرعة الثانية على أيدي رئيس المجلس النيابي (ومَن معه) ورئيس تيار المستقبل (ومَن معه)، فإن اللبنانيين يرتضون، في هذه اللحظة، وبصدق، التوافق بوصفه المدخل إلى الحل وباب النجاة من فتنة أشد من القتل قد تذهب بالدولة والشعب جميعاً.
ومن داخل التسليم بالتوافق فإن اللبنانيين يتمسّكون بالشعار البسيط والحاسم الذي حدّده البطريرك صفير ذاته، أي بأن يكون الرئيس الجديد مواطناً سوياً لا يخجل مستقبله من ماضيه .
لكن طوفان الكلام عن المرشحين للرئاسة، قبل القرعة، ونتمنى ألا يكون قد تحكّم فيها، كان يركّز على شخص الرئيس، بمعزل عن مواقفه السياسية، عبر تاريخه، إن كان له تاريخ… بل تبدّى في لحظات وكأن المطلوب رجل بريء ، لم يسمع نشرة أخبار في حياته، ولم يحدّد موقفاً من أي مسألة، وليس له رأي في أي أمر، بما في ذلك مثلاً الحرب الإسرائيلية على لبنان.
صحيح أن رئيس الجمهورية في لبنان لا يُختار، مبدئياً، على أساس برنامج انتخابي، ولكنه بالمقابل لا يُختار على أساس أن سجله العدلي أبيض، لم يقترف في حياته فعل ممارسة السياسة أو فعل اتخاذ مواقف حتى في اللحظات المفصلية المؤثرة في مصير البلاد وأهلها.
فأول ما يُطلب في الرئيس رمزيته: بمعنى أنه يرمز إلى الوحدة الوطنية، ويرمز إلى استقلال لبنان، ويرمز إلى هويته بمعنى انتمائه إلى محيطه عالمه العربي، لا هو غربي متلبنن، ولا هو هجين مستعرب.
لبنان ليس جزيرة في المحيط الأطلسي، كما افترض الأمين العام للأمم المتحدة في زيارته الأولى، ولا في المحيط الهادي… إنه جزء لا يتجزأ من هذا العالم العربي، لا هو دخيل عليه، ولا هو طارئ مستحدث. وبالتالي فإنه شريك مصير لإخوانه العرب وقضاياهم.
ثم إن لبنان يقع على حدود فلسطين، التي يُراد لنا أن ننساها الآن، وأن نقبل إسرائيل كجار بديل، فنرتكب بذلك خطيئتين أصليتين لا واحدة: نخون أنفسنا ونترك للعدو الإسرائيلي أن يقرّر لنا مصيرنا (كما قرّر مصير إخواننا الفلسطينيين من قبل)، ونخون إخوتنا الفلسطينيين، سواء في ذلك مَن هم بين ظهرانينا، ممّن طردهم من ديارهم فألجأهم إلى لبنان وسوريا والأردن، فضلاً عن ديار الشتات..
وما زال لبنان، حتى هذه اللحظة، رسمياً، وقانونياً، قبل أن نضيف و شعبياً في حالة عداء مع إسرائيل، ولا يمكن لأحد أن يخفي هذه الحقيقة التي عادت إسرائيل فأكدتها بحربها على لبنان قبل سبعة عشر شهراً، وما تزال آثار التدمير التي ألحقتها بالإنسان وأسباب العمران ماثلة للعيان، في بيروت وضواحيها كما في الجنوب والبقاع والجبل والشمال وعلى مختلف الطرقات التي تربط بين جهاته.
صحيح أن السلطة التنفيذية في مجلس الوزراء كما نص اتفاق الطائف، لكن أبسط شروط الاختيار أن يكون المرشح لأن يكون رمز لبنان منسجماً مع حقائقه الأصلية ومعبّراً عنها.
لقد علّمتنا التجارب أننا نحمي وحدتنا الوطنية بأنفسنا وليس بالخارج… بل إن الخارج، على تعدّد تلاوينه، كان في الغالب الأعم، يستفيد من انقسامنا لتأمين مصالحه، ولو أدى ذلك إلى انتحارنا جماعياً بالاندفاع إلى الاقتتال.
على هذا نريد في الرئيس الجديد أن يكون ضمانة للوحدة الوطنية، يأتينا من داخلها، ولا نضطر إلى إقناعه بها كضرورة لبقاء لبنان.

Exit mobile version