طلال سلمان

رئيس لدولة وفاق

بعد يوم واحد من فتح أبواب المجلس النيابي لجلسة لم تتم، في سياق الماراتون الرئاسي، كان الرئيس الأميركي جورج بوش يتكرّم على لبنان بالمرتبة الأولى بين اهتماماته (أو حروبه)، يليه العراق لتأتي أفغانستان ثالثة في سياق الانتصارات التي تحقق الديموقراطية والاستقرار والتقدم في كيان سياسي موحد وثابت الأركان!
بعد الرئيس الأميركي الذي لا يخطئ، وقف الرئيس الفرنسي الذي يسبقه لسانه، أي وزير خارجيته، ليزيد مزايداً ومستخدماً يديه وعينيه وملامح وجهه جميعاً، أمام المجتمع الدولي بأسره ممثلاً بالجمعية العامة للأمم المتحدة، للتوكيد والتشديد، حتى لقد تبدى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد عقلانياً ومعتدلاً ومسالماً ومن أهل الحكمة… أقله في موضوع لبنان بحاضره البائس ومستقبله الغامض والمحفوف بالمخاطر..
ما يعنينا أن لبنان هو الأول في العين الأميركية، والأولى بالرعاية الأميركية، ومعها الفرنسية، بينما يعيش أهله هاجس الفراغ في سدة الرئاسة، إذا لم تنجح الجهود (؟) في ابتداع وفاق سياسي ييسّر أمر انتخاب رئيس جديد لهذه الجمهورية التي عاشت وتعيش في ظلال حروب أهلية متعددة الأسباب منذ نصف قرن، ولا تبدو في الأفق خاتمة مؤكدة لمآسيها التي يطلقها الصراع السياسي ثم تشتعل بالفتن الطائفية المحققة لأغراضه… البعيدة، في الجغرافيا، كما في المصالح!
ولأن الرئيس الأميركي قد أحلّ لبنان في المرتبة الأولى من اهتماماته فإن اللبنانيين الذين ارتاحوا للقاءات الرئيس نبيه بري وقائد تيار المستقبل سعد الحريري، صباحاً وليلاً، قد تلقوا بكثير من الحذر التصريحات الإنذارات التي صدرت عن بعض صقور 14 آذار ، الذين سبق لهم أن أفشلوا أكثر من مبادرة، بينها ما هو إعلان نوايا عربية طيبة، وبينها ما صنع في لبنان .
وهؤلاء الصقور يراهنون على إفشال الجهود المتجددة من أجل وفاق سياسي يمهّد لولادة عهد جديد، عبر الآلام والمخاوف من ضياع الفرصة الأخيرة، التي لا بد من اغتنامها وحمايتها بغير تردد، وأساساً بغير مساومات على مكاسب تظل رخيصة بالمقارنة مع مخاطرها الهائلة التي ستمنع تحققها.
ومع اقتراب لحظة الحقيقة يتبدى اختلاف المصالح جلياً، بين الذين يريدون حماية ماضيهم بمصادرة المستقبل بمنطق أن تكون دولتهم هي الدولة أو لا تكون، وبين من يريدون مستقبلهم في توطيد الوحدة الوطنية ليحكموا دولة واحدة في لبنان واحد بشعبه جميعاً…
إن بعض القيادات يتصرف بواقعية مستفزة مفادها: طالما أن الخارج قد احتل الداخل أو كاد، عبر صراع المصالح وتناقض الأغراض، فلماذا لا نتكئ على هذا الخارج لتكون لنا السلطة في الداخل، ولا مانع من التلويح بالأسلحة المحرمة وطنياً، كالفتنة، أو التقسيم والكانتونات؟!
بين هذه القيادات من هو الأعمق معرفة (وبالتجربة) أن رئيساً خصماً، أو رئيساً مفروضاً لا يمكنه أن يحكم وتجربة رئيس الصوت الواحد شاهد وشهيد… لا سيما أنها تكررت، مع اختلاف في الظروف والتفاصيل، مرتين… ومع ذلك فهم يدفعون البلاد في الطريق المسدود.
ولأن الوفاق شرط حياة للنظام ومن ثم للدولة، فإن من يطمح إلى دور قيادي في المستقبل لا بد أن يجيء كابن شرعي للوفاق وكراع حقيقي له.
ومن نافلة القول أن لا الأكثرية وحدها تستطيع أن تفرض رئيساً بأصواتها وحدها، التي لا ضمان في أن تظل موحدة في اللحظة الحاسمة، ولا المعارضة تستطيع أن تفرض رئيساً منها.
أما الوفاق فهو ولاّدة الرئيس والحكومة والعهد الجديد جميعاً، ومن دونه لا دولة ولا حكومة ولا عهد من أي نوع!
وفي ظل الوفاق فقط يمكن مواجهة التصنيف الذي أحل فيه الرئيس الأميركي لبنان الأول بين ثلاث دول تحتل جيوشه اثنتين منها وتعمل على تمزيقها شر تمزيق، شعباً وأرضاً وكياناً سياسياً.. ومستقبلاً!

Exit mobile version