طلال سلمان

رئاسة لبنان 1998: بين صراعات الترويكا الداخلية وصوت الشارع المعارض

من حيث المبدأ، فإن 1998 ستكون سنة رئاسية تشهد في خريفها انتخاب الرئيس الثالث »للجمهورية الثانية« التي تم استيلادها بعملية قيصرية من اتفاق الطائف،
ومن حيث المبدأ، فإن »عهداً جديداً« يفترض ان يطل على الحياة السياسية في لبنان، لكن أحداً لا يعرف إلى أي حد سيكون ذلك العهد »جديداً« او »استمراراً« لهذا القائم الآن بكل رموزه ومبتدعاته وأشهرها »الترويكا« او »الشراكة الثلاثية« بين رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة.. والتي غالبا ما اختزلت القوى السياسية جميعا، بل واتهمت بأنها ألغت السياسة أصلا وحوّلتها الى »كاريكاتور« لا يُضحك وإن كان يجسّم الوضع الأشوه القائم،
من حيث المبدأ فإن »العهد الجديد« لا بد ان تأتي معه »حكومته« لتعطي عنوانا جديدا للمرحلة الجديدة، موحية للناس ان مبدأ تداول السلطة معتمد فعلا وما زال محترما في لبنان، وان »لكل زمان دولة ورجالا«، وان البلاد ولادة لا تقوم بفرد او على فرد، وان اسطورة »رجل كل الفصول وكل المهمات« الى انتهاء من اجل ان تستعيد الديموقراطية عافيتها ومن اجل استئناف الدورة الطبيعية للحياة العامة،
من حيث المبدأ، فإن الثابت الوحيد من بين »الفرسان الثلاثة« هو رئيس المجلس النيابي الذي تمتد »ولايته« ذات السنوات الأربع الى بداية القرن المقبل، في العام ألفين، ويبقى مع الرئيس »المجلس« الذي انتخبه والذي ستُناط به مهمة إضفاء الطابع الدستوري على تسمية الرئيس الجديد للجمهورية التي تبدو الآن متصدعة البنيان متهالكة المؤسسات وضعيفة الموارد الى حد حافة الانهيار.
كيف، اذن، يمكن رسم ملامح »العهد الجديد«؟!
كيف الوصول الى الاسم المرصود للرئيس المقبل، قبل تسعة شهور من موعد التسمية التي يملك مفتاحها مَن لا يقول او يومئ أو يلمح، والتي يصعب استشفافها في ظل التحولات والتطورات التي تعصف الآن وستعصف غدا بالكثير مما كان يعتبر »ثوابت«، نتيجة للتعنت الاسرائيلي، الذي يقوده زعيم التطرف والمهووس بالسلطة والممتلئ بالقدرة على فرض هيمنته على المنطقة: بنيامين نتنياهو؟
مع ذلك سنحاول فك اللغز، ورسم ملامح العهد المقبل من خلال القراءة في »ثوابت« العهد القائم..
الهراوي.. القلق
يعيش الرئيس الياس الهراوي هذه الايام فترة من القلق المتزايد على المستويين الشخصي والعام، فهو من جهة يرى ان فرص التمديد الثاني تتضاءل، وهو يرى من جهة ثانية ان أوضاع البلاد في مقبل الايام لن تكون مريحة على الاطلاق لمَن يرغب في الرئاسة ويسعى اليها،
وهو يسمع مَن يقول: إن الحاجة اليه في الفترة المقبلة قد تشتد، لأن أحدا غيره لن يجرؤ على التصدي لعملية انتحارية مثل قبول الرئاسة..
ثم يسمع مَن يقول: إنه السبب في ما وصلت اليه البلاد وان مجرد انتخاب غيره سيفتح باب الامل في الخروج من المأزق الراهن.
هو يسمع مَن يقول: انه كان الأجرأ والأعظم قدرة على اقتحام الصعاب وتجاوز الحساسيات الطائفية من بين كل الذين تسنموا موقع رئاسة البلاد على مر تاريخها الحديث، وانه لا يجوز بالتالي ان يخرج ملعونا مذموما وان لا بد من الحرص عليه وحفظ كرامته (مما قد يعني للبعض ان احتمال التمديد الثاني لم يسقط)..
وهو يسمع مَن يقول: لقد أدى الياس الهراوي »عسكريته« وآن ان يرتاح ويريح، مفسحا في المجال لدخول البلاد مرحلة جديدة بين معالمها سقوط التدابير التي تكاد تماثل التجاوز الدستوري والقانوني والتي يمكن تلخيصها بعبارة »لمرة واحدة واستثنائياً« والتي دمغت هذا العهد في مختلف ممارساته.
هو يسمع مَن يقول: ان الياس الهراوي يستحق مكانة البطل عند المسيحيين، لأنه استنقذ لهم من السلطة ما كان يمكن ان يضيع نهائيا نتيجة لممارسات »الخلف الصالح«، لا سيما من رؤساء المرحلة الاسرائيلية وحروب الداخل: حرب الإلغاء، حرب التحرير، حرب إنهاء التمرد الخ..
وهو يسمع مَن يقول له: لن تجد كاهنا يصلي على جنازتك متى حضرتك الوفاة، لأن المسيحيين يحمّلونك المسؤولية عن ضياع ما ضاع من موقعهم الممتاز في السلطة، وعن تشريد بعض »زعاماتهم« التي يستقر معظمها الآن في فرنسا، بينما جماهيرها هنا مضيعة، بلا قيادة ولا مؤسسات سياسية قادرة على حماية حقوقها في »جمهورية الطائف« التي تعتبرها »محمية سورية« يحكمها »المسلمون« ومعهم بعض المنتفعين المسيحيين الذين لا يمثلون الشارع ولا يحفظون حتى الحد الأدنى من »حقوق« الطائفة التي كانت »عظمى« فجعلها الياس الهراوي »دنيا«.
لا يخجل الياس الهراوي من التعبير عن قلقه… بل انه احيانا يفجره بما يشبه »المناجاة«: ماذا تريدون مني؟! هل يوفر لكم الحل ان أستقيل الآن من رئاسة الجمهورية؟! أنا جاهز اذا كانت استقالتي توفر المخرج لإنقاذ البلاد من ازمتها الاقتصادية الاجتماعية السياسية الطاحنة. ولكن هل هذا حل ام هو تعقيد له ونسف لاحتمالات الوصول سلميا الى شاطئ الامان وتسليم الامانة للعهد الجديد؟!
في لحظة صفاء، قبل أسابيع، وردا على مبادرة شريكه وحليفه الدائم في الترويكا ورئيس »حكوماته« منذ خمس سنوات ونيّف، حول طي موضوع التمديد الثاني، رمى الياس الهراوي قنبلته الدخانية الأولى: لا مانع لديّ من إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، إذا كان هذا يريح الناس ويفتح الباب لعهد جديد أكثر صحة.
ويبدو ان الياس الهراوي قد سمع ما كان يريد ان يسمعه، فاطمأن وطوى الحديث في الانتخابات المبكرة، وإن كان ظل يلح على ضرورة »إبعاد الجيش عن السياسة«، مع إشارات واضحة الى رفضه من حيث المبدأ وعملياً احتمال ترشيح قائد الجيش العماد اميل لحود لخلافته في الموقع الممتاز.
وفي طهران، وخلال بعض اللقاءات الجانبية، قال الياس الهراوي للرئيس السوري حافظ الاسد: كلها عشرة أشهر يا أبا باسل وأرتاح، فأقصدك عندما يسمح وقتك الى اللاذقية، حيث لا تكون مزدحما بالمواعىد، لنجلس فنتبادل الرأي كصديقين،
ولقد رد الرئيس الأسد بما أثلج صدر الهراوي إذ قال له: أنت دائما في قلبنا، وفي قلبي بالذات يا أبا جورج.
بري.. والحريري
هي »ترويكا«، لكنها كانت ترتكز على قاعدة 2 + واحد.
في الأساس، وكما يُجمع أهل الخبرة في قراءة المواقف، فإن الياس الهراوي ورفيق الحريري كانا في الغالب الأعم واحداً.
أما الثالث فكان شريكهما المشاغب حينا والمتمرد احيانا والقناص غالبا وحاصد الجوائز دائماً نبيه بري.
وهما يتهمانه ضمنا وإن لم يصرحا بأنه كان دائما في موقع »الشريك المضارب«، يناور على كل منهما، ويناور على كليهما، يرمي الفتنة بينهما متى تسنى له ذلك، ثم يبادر الى مصالحتهما (وهو يعرف انهما متصالحان) ليجني المزيد من الأرباح،
إذا حكمت على ما تسمع فإن كلا من الهراوي والحريري ينكر حكاية التحالف الدائم، بينما يؤكده بري باستمرار ويعطي الشواهد عليه.
هي »ترويكا« بالرغبة كما بالاضطرار، لا تنفصم عراها إلا عند تقاسم الحصص، ولكن الاختلاف غالبا ما ينتهي بتحسين شروط الأطراف الثلاثة مع استيعاب الضجة التي يثيرها الخصوم ممن لم ينلهم من الجبنة نصيب!
لفترة، كان موقع الحريري هو الأضعف باعتباره »المتحرك بين ثابتين«، لكنه سرعان ما صار ثابتا ثالثا ففرض توازنا جديدا، سرعان ما عززه بالتحالف مع الهراوي فبدا في بعض الحالات وكأنه أقوى الثلاثة، ولكنه كان دائما وهو في ذورة قوته يتعرض لصدمة تعيده الى الحجم المقبول ليكون واحدا من ثلاثة وليس بديلا منهم.
بل ان أزمة رفيق الحريري تبدت في بعض اللحظات وكأنها الأعمق والأكثر تعقيدا،
فهو في »بوز المدفع«، كونه رئيس مجلس الوزراء، والمباشر ممارسة مهامه على رأس السلطة الإجرائية،
لكن مجلس الوزراء ليس »حكومة رفيق الحريري«،
في المبدأ فإن له شريكا معنويا اساسيا هو رئيس الجمهورية، ثم ان عليه رقيبا حيسوباً مسلحاً بقوة المجلس النيابي، هو نبيه بري،
واذا كان الثلاثة »متساوين« في عين »الحليف الأكبر« ومعتمدين منه، فإن الشرط الدائم لتغطيتهم سياسيا هو: توافقهم، وهذا يضع سقفا لقوة كل منهم اذ لا يغني الواحد عن الآخرين ولا يغني الاثنان عن الثالث، وخصوصا ان لكل من الثلاثة حق الفيتو، لا سيما اذا أضيفت الحساسيات الطائفية التي تضعف متى تلاقوا وتتفجر منذرة بالنزول الى الشارع متى اختلفوا.
ثم ان رفيق الحريري قد رئس حكومات لم يكن يريدها على النحو الذي شكلت به.
دائما كانت في حكوماته قوة معارضة لمنطقه وأسلوبه وتطلعاته.
لكأنه كان مطالبا بأن يحكم بمَن يخالفه الرأي.
والحريري يرى انه الوحيد الذي يدفع الغُرم بينما يجني شريكاه الغُنم،
وفي لحظات الضيق، وما أكثرها كان الحريري يردد انه »المظلوم« الوحيد بين كل السياسيين في لبنان فهو يطالب بالحد الأقصى ولا يُعطى الا الحد الأدنى،
وكثيرا ما جهر الحريري بضيقه مرددا انه »محكوم« بأن يبقى رئيسا لحكومة لا يريدها، وشريكا لأقطاب ما كان ليشاركهم لو كان حراً: فهو »ممنوع« من الاستقالة، و»ممنوع« من تغيير الوزراء الذين يرى فيهم نقصا في الكفاءة او نقصا في النزاهة وطولا في الباع واللسان.
وفي حالات معينة كان يُنقل عنه ما مفاده انه يحكم بحكومة ثلثها أكفّاء وثلثها الثاني من غير الأكفاء وثلثها الثالث من اللصوص،
أما في ما خص العهد المقبل فإن رفيق الحريري متهم بأنه قد جهر برفض التمديد ليجعله ممكناً، وانه »متواطئ« دائم مع الياس الهراوي، خصوصا في ما يتصل بالرئيس الجديد… متى حانت ساعة اختياره، واذا ما تعذّر التمديد او استحال لأسباب خارجة على إرادتيهما.
يرى الحريري انه يملك كل المقومات ليكون »صوتاً« في انتخابات الرئاسة.
صحيح ان بري »ثابت« وهو »مؤتمن على كلمة السر« غالباً، لكنه يرى في نفسه الكفاءة ليشاركه الثبات والامانة في حفظ السر.
بل ان الحريري الذي كثيرا ما تأخذه العزة في اسباب قوته يرى نفسه صاحب حق في ان يكون صاحب رأي في اختيار الرئيس المقبل. ومع انه يردد ان لا احد يستطيع بعد اليوم تجاهله، وان قوته ستفرضه على اي رئيس جديد، الا انه سرعان ما يدهمه القلق وهو يسمع همسات من هنا او هناك توحي وكأن الرياح تجري بغير ما تشتهي سفنه.
بعض محيط الحريري يأخذ عليه مراعاته لشريكيه، ولا سيما لنبيه بري، ويرى في ذلك ضعفا او استضعافا لا يجوز ان يقبله، وخصوصا ان ذلك سينعكس على دوره في الرئاسيات.
وهذا البعض يلح على الحريري بأن يتنازل الآن ليحصد غداً،
أما »الصقور« في محيطه فيشيرون عليه بالعكس تماما: إن تنازلت له اليوم ألغاك او عطل دورك غداً.
لكن الجميع في قريطم مطمئن الى ان عناصر القوة باقية: فهو آتٍ من الرياض ومن باب دمشق على وجه التحديد، بل وقد أعطي بعض مفاتيح هذا الباب، ثم انه »وزير خارجية ثان لحافظ الأسد«، وقد جيّر له ونفعه كثيرا ببعض علاقاته الدولية، خصوصا وقد »نقشت« معه عندما اختارت فرنسا جاك شيراك رئيسا لها، اضافة الى ان رصيده السعودي الممتد بالضرورة الى الخليج يعطيه موقعا ممتازا في العين الأميركية، واستطرادا في الغرب كله، خصوصا مع استذكار وهجه الذهبي الخاص.
.. والشارع المفتوح
على ان هذه الصورة الداخلية للترويكا، بأطرافها الثلاثة، لا تبدو زاهية اذا ما نُظر اليها من داخل الوضع المأزوم الذي تعيشه البلاد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، والذي تفاقم الى حد الخطورة في الاسبوع الماضي ونتيجة للتصرف الغبي بمنع المقابلة التلفزيونية الأشهر في التاريخ (برغم انها لم تتم أصلاً ولم تُذع بالتالي)،
لقد بدا الحكم ضعيفاً أكثر مما يجوز، ولا سبيل الى إثبات قوته الا بقمع الآخرين.
قال أحد الخبثاء: إنه حكم يخاف من صوت!
وبدا الحكم بلا حلفاء جديين: اي انه ليس قويا بذاته ولا بتحالفاته الداخلية.. بل ان بعض أطرافه الأقوى خرجوا عليه منتقدين ومشهرين بضيق أفقه، وكان لافتا ان يتلاقى على نقده وليد جنبلاط وسليمان فرنجية وطلال أرسلان،
كذلك كان لافتا ان يقف عاجزا وهو يرى ان شعار الحريات قد تبدّى في الشارع وكأنه الوجه الآخر للمطالبة بخروج السوريين من لبنان.
أي أنه ظهر أضعف مما ينبغي ليحمي نفسه ويغطي ويحمي سمعة حليفه الكبير،
وهكذا تكررت فصول المأساة: ان الحكم الضعيف في لبنان يسحب باستمرار من رصيد حليفه السوري بدلاً من ان يضيف اليه، او يحفظه، وهذا أضعف الإيمان.
وبالتأكيد فإن اقتراب المعركة الرئاسية يحكم الآن مواقف مختلف القوى،
أما اقتراب موعد الانتخابات البلدية فيزيد الحرارة في الشارع، ولعل هذا ما يفسر تزاحم المتعارضين فيه: إذ تلاقى »العونيون« والشيوعيون والشمعونيون مع جماعة نجاح واكيم، مع بعض أطراف الاسلاميين، مع جماعة الكتلة الوطنية، مع جماعة بكركي ومع بعض الاتحادات النقابية اليسارية المنشأ.
فتش عن الأميركان..
سنة رئاسية؟
إذن لا بد من إعادة قراءة الحركة الاميركية في لبنان، وهي قد نشطت مؤخرا وأعطت إشارات محددة في مجال الانتخابات الرئاسية تحديداً.
وثمة أربع محطات لا بد من الإشارة اليها، وفق أهميتها:
الأولى الإشارة الصريحة في برقية التهنئة بعيد الاستقلال التي وجهها الرئيس الاميركي بيل كلينتون الى الرئيس الياس الهراوي، وقد تمنى فيها ان يستطيع لبنان تأمين جو هادئ للانتخابات البلدية والرئاسية.
الثانية ما رافق زيارة وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت من »رسائل« ثم ما قالته علناً في اللقاء المدبّر على عجل في »فوروم دي بيروت«، والذي حُشد فيه عدد من السياسيين ورجال الادارة والقضاء (65 شخصية) ليسمعوا »التوجيهات« من دون ان يكون لهم حق السؤال.
واذا كانت أولبرايت قد تصرفت في القصر الجمهوري بما يوحي بأنها »تخاف من ان تكون مراقبة وان تكون التسجيلات في كل مكان« طالبة ان تجري المحادثات في الهواء الطلق، وان تكون محصورة فلا يحضرها المستشارون، فإنها في »الفوروم« حاولت ان ترسم ما يمكن اعتباره برنامج العهد المقبل، مؤكدة ان اميركا قد عادت الى لبنان، وانها ستمارس في الغد دورا كانت امتنعت عن لعبه بالأمس.
وكان لافتا ان يقف دوري شمعون في ختام المحاضرة، ليصفّق وحده للقول والقائلة..
الثالثة ما رافق زيارة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية مارتن انديك من »رسائل«، تتعدى فتح معبر كفرفالوس، كمثل لقائه مع قائد الجيش العماد اميل لحود، ثم اللقاء الاستثنائي الذي خص به دوري شمعون في منزل السفير الاميركي ريتشارد جونز في اليرزة.
رابعا الاحتفال المُبالغ فيه لوضع حجر الاساس للقنصلية الاميركية في قلب مبنى السفارة الاميركية في عوكر، والذي عُرض وكأنه »عودة سياسية« للأميركيين الى لبنان، بينما هو في حقيقة الأمر تدبير محدود لخدمة الاميركيين من أصل لبناني واللبنانيين حاملي جوازات السفر الأميركية.
لكأنما تتقصّد واشنطن، وبأشكال مختلفة، ان تقول لمَن يعنيهم الأمر: ها قد عدنا..
واذا كان الترحيب بالانتخابات عموماً، و»التحريض« على الديموقراطية، و»الإلحاح« على حقوق الانسان، من المواقف المبدئية فإن اللقاءات الاستثنائية والرسائل الخاصة والمنحى العام للتصرفات الاميركية كل ذلك يوحي بأن واشنطن سيكون لها »صوتها« في الانتخابات الرئاسية، أو أنها هذه المرة ستمارس »حق الفيتو«، وهذا يعطي بعداً جديداً للمعركة وللعهد المقبل، خصوصا اذا ما استذكرنا ان كثيرا من قوى الاعتراض قد نشطت في الفترة الأخيرة اعتمادا على هذه العودة المحتملة..
والأميركان في الشارع الآن..
الكل في الشارع الآن،
أما همّ الرئاسة ففي مكان آخر،
والشارع مفتوح لكل ريح،
وقد أثبتت التجارب ان ليس للترويكا حصانتها في الشارع، بل وليس لها الكثير من المؤيدين، في حين ان عدد المتضررين منها كثير جداً،
والسؤال: إلى أي حد سيكون للشارع ولمَن تحرّك فيه، وحاول احتلاله او احتلال مكان مميز فيه، ولمَن سيتحرك في مقبل الأيام، دور في معركة اختيار الرئيس المقبل،
او بالأحرى هل سيكون للصوت الذي دوّى في الشارع، خلال الأيام الماضية، بشعارات الحرية صدى حيث يؤثر الصدى،
في أي حال، فإن معركة الرئاسة 1998 ستكون مختلفة بالقطع عما سبقها، والأهم أن تصير.
سنة رئاسية؟
إذن لا بد من إعادة قراءة الحركة الاميركية في لبنان، وهي قد نشطت مؤخرا وأعطت إشارات محددة في مجال الانتخابات الرئاسية تحديداً.
وثمة أربع محطات لا بد من الإشارة اليها، وفق أهميتها:
الأولى الإشارة الصريحة في برقية التهنئة بعيد الاستقلال التي وجهها الرئيس الاميركي بيل كلينتون الى الرئيس الياس الهراوي، وقد تمنى فيها ان يستطيع لبنان تأمين جو هادئ للانتخابات البلدية والرئاسية.
الثانية ما رافق زيارة وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت من »رسائل« ثم ما قالته علناً في اللقاء المدبّر على عجل في »فوروم دي بيروت«، والذي حُشد فيه عدد من السياسيين ورجال الادارة والقضاء (65 شخصية) ليسمعوا »التوجيهات« من دون ان يكون لهم حق السؤال.
واذا كانت أولبرايت قد تصرفت في القصر الجمهوري بما يوحي بأنها »تخاف من ان تكون مراقبة وان تكون التسجيلات في كل مكان« طالبة ان تجري المحادثات في الهواء الطلق، وان تكون محصورة فلا يحضرها المستشارون، فإنها في »الفوروم« حاولت ان ترسم ما يمكن اعتباره برنامج العهد المقبل، مؤكدة ان اميركا قد عادت الى لبنان، وانها ستمارس في الغد دورا كانت امتنعت عن لعبه بالأمس.
وكان لافتا ان يقف دوري شمعون في ختام المحاضرة، ليصفّق وحده للقول والقائلة..
الثالثة ما رافق زيارة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية مارتن انديك من »رسائل«، تتعدى فتح معبر كفرفالوس، كمثل لقائه مع قائد الجيش العماد اميل لحود، ثم اللقاء الاستثنائي الذي خص به دوري شمعون في منزل السفير الاميركي ريتشارد جونز في اليرزة.
رابعا الاحتفال المُبالغ فيه لوضع حجر الاساس للقنصلية الاميركية في قلب مبنى السفارة الاميركية في عوكر، والذي عُرض وكأنه »عودة سياسية« للأميركيين الى لبنان، بينما هو في حقيقة الأمر تدبير محدود لخدمة الاميركيين من أصل لبناني واللبنانيين حاملي جوازات السفر الأميركية.
لكأنما تتقصّد واشنطن، وبأشكال مختلفة، ان تقول لمَن يعنيهم الأمر: ها قد عدنا..
واذا كان الترحيب بالانتخابات عموماً، و»التحريض« على الديموقراطية، و»الإلحاح« على حقوق الانسان، من المواقف المبدئية فإن اللقاءات الاستثنائية والرسائل الخاصة والمنحى العام للتصرفات الاميركية كل ذلك يوحي بأن واشنطن سيكون لها »صوتها« في الانتخابات الرئاسية، أو أنها هذه المرة ستمارس »حق الفيتو«، وهذا يعطي بعداً جديداً للمعركة وللعهد المقبل، خصوصا اذا ما استذكرنا ان كثيرا من قوى الاعتراض قد نشطت في الفترة الأخيرة اعتمادا على هذه العودة المحتملة..
والأميركان في الشارع الآن..

Exit mobile version