طلال سلمان

ذخيرة عربية ارهاب اسرائيلي

انطلاقù من الأخبار المحلية في لبنان، وصولاً إلى الأخبار »الدولية« للمنطقة العربية برمتها، تبدو إسرائيل وكأنها »الجامع المشترك«، وأحيانù »الطرف المقرِّر« في ذلك كله.
لقد حققت إسرائيل واحدù من أهدافها العظمى فباتت طرفù داخليù في الشأن العربي العام.
الصحف العربية، مثلاً، تكاد تكرّس صفحاتها الأولى سياسيù للحركة الإسرائيلية، سياسيù واقتصاديù وأمنيù، خصوصù أن هذه الحركة تغطي الآن معظم أرجاء الوطن العربي، من موريتانيا وحتى سلطنة عُمان.
ولقد انتهى زمن الالتباس بين السياسة الأميركية والسياسة الإسرائيلية ازاء العرب: فتل أبيب هي الآن من يقرِّر وواشنطن تتبنى هذا »القرار« علنù و»تدوّله« وتغطيه وتجعله سياسة رسمية »للتحالف الدولي« بمن فيه معظم أطرافه العرب كما شهدنا في شرم الشيخ ومتابعاتها الأميركية.
ما كان يبدو وكأنه »وضع ملتبس« في أواخر أيام إسحق رابين لم يعد ملتبسù البتة الآن… فكلينتون وإدارته وخصومه كما منافسوه يخوضون معركة شمعون بيريز (الانتخابية) بوصفها معركة المصير الإسرائيلي، ويظهرون هنا متكافلين متضامنين، وعلى قاعدة الولاء لإسرائيل يتقرّر مصير معركة الرئاسة الأميركية.
لكن »الذخيرة« تبقى في معظم الحالات »عربية«،
فإسرائيل تقتل اللبنانيين وتحاصر الفلسطينيين بالجوع وتحوّل غزة والضفة الغربية إلى سجن كبير يعيش الملايين فيه وضعù أسوأ وأقسى بما لا يقاس من وضعهم تحت الاحتلال العسكري المباشر،
وإسرائيل تنسحب من المفاوضات مع سوريا وتعلّق »عملية السلام« لتتفرّغ لاستئصال »الإرهاب«، فارضة على المنطقة برمتها »إرهابها« هي، إرهاب سلام التجويع والحصار والاعتقال الجماعي،
ومع ذلك يزدحم جدول أعمال شمعون بيريز بالدعوات العربية السخية، وتنفتح له أبواب العواصم العربية، ويحظى بتكريم يتضمن تأييده المطلق ومباركة »إنجازاته« الدموية والارهابية عمومù ازاء اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين.
ويهرع رئيس أركان القوات المسلحة الأردنية للقاء »رفاق سلاحه« الإسرائيليين مكملاً بذلك البُعد العسكري للتحالف السياسي الوثيق مع »جيش الدفاع« المنهمك الآن في إقفال معابر الماء والهواء والغذاء على الفلسطينيين، وفي إعداد الخطط لضربات موجعة ضد المقاومة في لبنان.
* * *
في قرية ياطر، من أعمال جبل عامل في جنوب لبنان، قتل صاروخ إسرائيلي، أمس الأول شابين في عمر الربيع (علي جعفر 23 سنة، وفؤاد كوراني، 18 سنة). كانا يركّزان خزانù لمياه الشفة فوق سطح أحد المنازل.
بهذين الشهيدين يرتفع عدد ضحايا الغارات وعمليات القصف الإسرائيلية من أبناء هذه القرية الجنوبية الصغيرة إلى حوالى 130 (فيهم الشيخ والفتى والمرأة والمريض)…
في ياطر وحدها سقط أكثر من ضعفي عدد الإسرائيليين الذين سقطوا نتيجة العمليات الاستشهادية في عسقلان وتل أبيب والقدس المحتلة.
لكن شهداء ياطر لا يستحقون قمة كالتي عقدت على الأرض العربية في شرم الشيخ، ولا حشدù عربيù كالذي تكأكأ من حول شمعون بيريز هناك، ولا هم يستأهلون إلغاء الدعوة التي انتخى فوجهها إليه ذلك الشيخ القطري الشارد، والتي ستتم يوم غد الثلاثاء.
ولقد رد شمعون بيريز على قصف المقاومة بعض المستوطنات الإسرائيلية بالصواريخ، انتقامù لشهيدي ياطر، بتلبية الدعوة الكريمة لزيارة مسقط والدوحة، مقدِّرù أنه أقسى من أي رد عسكري كان بوسعه أن يلجأ إليه.
لقد قصف ياطر والجنوب ولبنان كله، ولكن بذخيرة سياسية عربية تبرّع بتقديمها إليه طلائع المهرولين العرب إلى السلام الإسرائيلي القاتل بشهادة واقع غزة والضفة الغربية.
إن »الخطأ« الإسرائيلي يقتل أفرادù في لبنان، ويتم »الاعتذار« عنه، وينتهي بفضل المقاومة وحسن القراءة للحظة السياسية بتثبيت »تفاهم تموز 1993«، الذي بدا وكأن قمة شرم الشيخ قد ألغته أو جعلته غير ذي موضوع، ثم أكدت مجريات الأمور العكس تمامù: فحيث ثمة مقاومة تلجأ إسرائيل إلى المهادنة والمخادعة مستعينة بالوساطة الأميركية المحمومة »لوقف دورة العنف«،
أما »الخطأ« السياسي العربي فيقتل بالجملة، وأهم ما يقتله هو »الموقف«، ثم أنه يضيف رصيدù مؤثرù إلى قدرات إسرائيل المتفوقة أصلاً على مجموع العرب.
* * *
وتبقى بعض الملاحظات والمفارقات التي لا بد من تسجيلها:
} إن سلطة عرفات توفر كل يوم مزيدù من الذرائع للاحتلال الإسرائيلي في حربه المعلنة ضد الفلسطينيين جميعù، في غزة أو في الضفة أو في الكيان الإسرائيلي ذاته.
هي تجتاح الجامعات كما يقتحمها عسكره، وهي تقفل المساجد كما كان يقفلها عسكره، وهي تعتقل »الناشطين« بالمئات كما يعتقلهم عسكره، وهي تضيّق في الرزق على معارضيها كما يمنع الرزق عن »رعاياها« جميعù،
والأخطر أنها تروّج له بين العرب، وأنها تدعو إلى قمة يريدها وتحت عنوان حدّده بدقة هو »الإرهاب«، بل شاركته في اعتماد التسمية وفي تبرير الاجراءات ووفرت التغطية لطالبي القرب من بيريز فباعوها وهمù أنهم إنما جاءوا لدعمها، وبناء على رغبتها ولتعزيز إنجازها: »السلام«!
في حين أن هذا النوع من »السلام« يضفي شرعية دولية على الاحتلال واجراءاته القمعية ويلغي »السلطة الوطنية«، ليس في فلسطين وحدها بل في أي دولة عربية تقبل بمثله. والشواهد أكثر من أن تحصى.
} بينما تحتدم الخلافات حول قانون الانتخاب الجديد في لبنان، يتزاحم قادة العالم وفيهم بعض سلاطين العرب أمام صندوقة الاقتراع في إسرائيل للتصويت لشمعون بيريز.
وفي لبنان تتصرف السلطة مع شعبها وكأن قانون الانتخاب سر حربي لا يجوز أن يكشف عنه إلا في ساعة الصفر وعشية الاقتراع…
الطريف أن السلطة تطلب وتستمع إلى آراء الدول جميعù في مشروع القانون هذا، ولا يبقى غير اللبنانيين وحدهم مستبعدين عن هذا السر المرصود!
} في قلب رئاسة مجلس الوزراء الإسرائيلي أعلن العاملون ويبلغ مجموعهم حوالى مئتين إضرابù مفتوحù شمل في عداد الملتزمين به موظفي المكتب الصحافي لشمعون بيريز.
مع ذلك لم توجه تهمة التخريب أو التآمر على الاستقرار أو تشويه صورة الازدهار أو ضرب الثقة العالمية بالاقتصاد الإسرائيلي، إلى طليعة الموظفين المضربين الذين يبدو أنهم تحرّكوا أولاً ففتحوا الطريق أمام زملائهم وأقرانهم في سائر الادارات.
أليس عجيبù أن تخاف السلطة، أي سلطة في أي بلد، من إضراب أكثر مما تخاف سلطتنا في لبنان من اعتداء إسرائيلي واسع؟!

Exit mobile version