طلال سلمان

دين الدولة.. الفساد

حنا غريب، ممنوع. نعمة محفوض لا يطاق.

الأول ترك فراغاً مريحاً للسلطة. بالثاني، ُيسدل الستار على العمل النقابي.

تم للسلطة السياسية في لبنان، ما تقدم عليه الانظمة الديكتاتورية.

مطلوب أن تكون النقابات المستقلة، ملحقة بالنظام، تابعة للأحزاب.

وما ارادته الطبقة السياسية حصلت عليه، بقوى “الديمقراطية التوافقية”.

السلطة. تكره الحرية ولا تطيق الفكر وتشن حروبها على القوى المستقلة. لا تطمئن الا للأمر والامتثال والطاعة. لا تستسيغ غير صوتها، بحناجر الآخرين. تمد يدها على ما ليس لها. تضمه إلى املاكها واسلوبها. تستهين بالقوانين، تنتهك المؤسسات، وتجعل من القضاء كاتباً للأحكام، عندها. وتلك من سمات السلطة الديكتاتورية والأنظمة السوداء.

تتحدر السلطة في لبنان من اصول غير ديموقراطية. الديموقراطية مبنية على الخيارات الحرة. السلطة عندنا واجهة للطوائف، تتمثل فيها القيادات، كي تضع الدولة في خدمة اغراض زعمائها ومصالحها، وليس في خدمة الدولة.

تم القبض على الدولة والسلطة فيها. اكتمل نصاب الأمرة عبر التفاهمات المتبادلة بين “الاخوة الاعداء” وكل خصوم الامس، انزلوا الدولة إلى الشارع وأفرغوها من سلطتها، وأخذ كل فريق حصته من السلطة واعتصم بها في شارعه الطائفي. وفي مثل هذه الاجواء، يستفحل الفساد والقبض على المؤسسات والاعتداء على اموال وأملاك الدولة.. في ظل الخصام السياسي بين “الاخوة الاعداء” تستباح الدولة بمنطق الميليشيات الطائفية. قل لي ما طائفة الوزير اقل لك كيف تنفق الاموال.

النقابات، لها صفحات سود في تاريخها. لقد تم إلحاقها بالنظام السوري وبأنظمة الطوائف. للنقابات المستقلة تاريخ نضالي مستمر، تصدى للسلطة وادواتها. حاورها. ناقشها. اتهمها. نازلها في الشارع. ومع ذلك، كانت السلطة بأركانها تجد مهرباً يعيدها إلى الساحة، بكذبة التأجيل… حقوق الناس ليست من اختصاص اصحاب السلطات الطائفية.

الجميع في السلطة متفق على حق الامرة بالتساوي. ثم لهم ذلك بعد تأليف حكومة الميثاق الوطني والمشاركة الطائفية.

“الوطني الحر” متفاهم مع “حزب الله” ومع خصمه “القوات اللبنانية” ومع عدو “حزب الله”، “تيار المستقبل”، و”حزب الله” متفاهم مع “الوطني الحر”، ومتحالف مع خصم “التيار”، “امل”، و”الحزب الاشتراكي” طلق “المستقبل” وتفاهم مع “امل”، و”المردة” طلقت حليفها “التيار” واستمر في تحالفها مع “حزب الله” و “امل”… الكل متفق مع الكل في تقاسم السلطة تحت شعار الميثاقية.

والناس في لبنان على دين زعمائها وطوائفها، باستثناء خميرة سياسية قادرة على نقل العدوى الديمقراطية الحقيقية والمعبرة عن مصالح جماهير واسعة من المواطنين اللبنانيين، في مدارسهم وجامعاتهم واداراتهم والسلك العسكري.

ممنوع على هذه الخميرة أن تنتشر، فليذهب حنا غريب إلى حزبه، وليعد الصوت المنخفض والسقف المنخفض إلى الحركة النقابية. تألفت لائحة تضم احزاب السلطة. لانتزاع النقابة من استقلالها.

السلطة ليست غبية. لا تستطيع إغضاب المؤسسات الطائفية، ولا إغضاب الهيئات الاقتصادية، ولا المرجعيات الدينية. هذا الثالوث الطاغي، هو الحليف الاساسي، لهذه الطبقة السياسية حنا غريب ونعمة محفوض، مسَّا بالمقدس الطائفي الذي يدر تأييداً مبرماً. سمّيا الاشياء بأسمائها. فتحوا ملفا الفساد. مسَّا بالمقدس اللبناني. فالفساد، دين الدولة في لبنان. تحدثا عن الاملاك البحرية، عن فساد المرفأ والمطار، عن سراديب الهدر في الوزارات والمؤسسات، حتى باتت الدولة منهبة.

الديمقراطية الطوائفية في لبنان، هي الشقيق الوفي للأنظمة الديكتاتورية، مع فارق جوهري، يقوم على الحفاظ على الحرية، لأنها من دون أي مردود… قل ما تشاء وسنفعل ما نريد.

لبنان هذا يثير الاحزان ويدفع إلى المزيد من التشاؤم. яндекс

Exit mobile version