طلال سلمان

ديموقراطيتنا

خرجت فرنسا من عندنا آذنة لنا أن نغرف من دستورها ما نشاء فقمنا بترجمته واعتمدناه دون مراجعة.

ونحن في سياق الترجمة توقفنا عند تعبير الديمقراطية (فانطوشنا) وأخذنا نردّده في كلّ مناسبة ومكان مرة للتجديد ومرة للتطويل ولا مانع للتقصير إذا اقتضى الأمر. أما الحكم فينادي بالديمقراطية على أن تكون أكثرية عددية للتحكم بينما تريدها المعارضة توافقية للتعطيل.

ولكن ما هو السحر في هذه الكلمة… د ي م ق ر ا ط ي ة.

هي من بنات السحر لدى فلاسفة اليونان قبل ألفين من ميلاد السيّد المسيح وتُلفظ (ديموقراسيا) وتفسّر على أنها حكم الشعب من الشعب. كلام ولا أجمل. ومنذ القرن السابع ومنذ أربعة آلاف سنة لم نختلف على التسمية وليومنا هذا لم نتفق على الأسلوب إذ ان الدنيا مكونة من شعوب وقبائل مختلفة بالعادات والطموحات ولكي يحكم كل شعب بنفسه عليه ان يتّبع الأساليب التي تناسبه فهو يعيّن بأسلوبه من يراه ملائماً وقد يرى أحدهم أنه هو المجسد لمطامح الشعب فينقض على السلطة ويصيح بثرثرة ديماغوجية ويجري انتخابات يحصل بموجبها على 99.9 من أصوات الشعب ويعلن بأعلى صوته تحقيق الديمقراطية المنشودة.

لذا يبدو أنه ليس هناك ديمقراطية أممية بل ديمقراطيات تناسب كلّ منها تركيبة كل شعب وكيان واذا توقفنا عند التقويم التاريخي دون الغوص في ما قبله كي لا نرجع الى (ديموقراسيا) اليونان نرى أنّ لليهودية أتباعها وللمسيحية مريدوها وللإسلام حملته وللشيوعية مفاهيمها وللعلمانية مدارسها إلى آخر الموسوعة الإنسانية المتشعبة بلونها وشكلها وعقائدها…

ومع نشوء الأوطان تنوّع لون الأعلام فمنهم من اعتمد الشجرة ومنهم النهر ومنهم لون البحر أو صفاء السماء… منهم من رأى في اللون الأحمر القاني معنى ومنهم من رأى أن الزهرة تعبر عما في نفسه من أمان… ألوان مختلفة ورموز متباينة ولكن الغريب في كل ذلك أن الإعلام كل الإعلام حتى التي تحمل مطرقة ومنجلاً تصر على أن توحي بشكل أو بآخر أنها ديمقراطية.

ومهزلة مهازل عدم إدراك معنى هذا التعبير أن أمير الزمان جورج بوش قصّر الله عمره يقوم بذبح كلّ ناصب خيمة فوق بئر نفط تحت شعار الديمقراطية رافعاً انجيلاً جديداً اخترعه كتبة العهد القديم… فإذا به كما وصفه الشاعر:

قد بُلينا بأمير ذكر الله وسبّح فهو كالجزار فينا يذكر الله ويذبح

كل ذلك من أجل الديمقراطية ومن أجلها كذلك صلّى الاسرائيلي أمام طائرته قبل الاقلاع لقطع الجسور والاوصال. وبعد أن أنهى مهمته تحاول دولته قطع الأنفاس والأرزاق.

لنعد الى بيتنا اللبناني فالنزهة خارجه قد تطول.

سبق وذكرت أننا في هذه المرحلة التاريخية نشكّل ثلاث قبائل تبحث عن وطن، ولقد حددتها بالقبيلة المسيحية والقبيلة الشيعية والقبيلة السنية هذا مع احترامي للعشائر الأخرى…

حددت لأوجز وليس لأقلل من شأن.

لذا أقول إنّ القبيلة المسيحية بمتفرعاتها مجذوبة بثقافتها إلى التجربة الفرنسية مع أحلام بابوية تأخذها من حين لآخر ضمن مداخلات أميركية غير واضحة المعالم. وهي تتبنى هذا الإرث وترفض ما دونه ولو أزعج هذا الرفض الشريكين الآخرين.

والقبيلة الشيعية بتشعباتها مرتبطة بتشدد بالإمامية ولو اختلفت على مفهوم ولاية الفقيه وهي بذلك كوّنت نهج حياة وأسلوب تمثيل. تتبنى هذا الإرث وترفض ما دونه ولو أزعج هذا الرفض الشريكين الآخرين.

أما القبيلة السنّية التي سلبها التاريخ مرجعية الخلافة فهي تلعب دور الأمة الوسط تقبل كتاب الله وسنة رسوله وترفض ما دونه ولو أزعج هذا الرفض الشريكين الآخرين.

هذا هو لبنان الآن… والسياسة كما سبق وذكرت هي صناعة (فنّ الممكن) فماذا يمكن أن يكون ضمن هذا الواقع؟

أعتقد أن ما يمكن أن يكون هو الرجوع إلى طاولة الطائف وليس إلى طاولة الحوار وإعادة قراءة بند اللامركزية الإدارية وتطبيقه (ما أمكن) بإعطاء كلّ قبيلة طريقتها في التمثيل ضمن حدود جغرافية غير مرسومة بخط أزرق إذ إنه مفهوم أصلاً على أن يكون لهذه القبائل ساحة مشتركة اسمها بيروت تتبادل فيها التهاني والتعازي وتلتقي في برلمانها لتقاسم الغنائم وتثبت مفاهيم حسن الجوار.

ومع الوقت وآمل الا تتسع المسافات بين القبائل فإذا إتسعت فمع الأسف نصل إلى فدرالية أو ما شابه مع الوقت وآمل أن تضيق المسافات نصل إلى وطن حقيقي نتباهى به أمام الأمم… وطن (رسالة).

فبكثير من الواقعية وقليل من الشعر هناك إمكانية حقيقية كي نعيش مع بعضنا البعض، وإذا لم نحسن التصرف فلا مانع أن نعيش بجنب بعض وبإرادة وليس بغضب.

لذا لنعد قراءة ما وقّعناه على طاولة الطائف ولننفذ بند اللامركزية الإدارية. لعلّ هذا يكون المدخل الطبيعي كي تدير القبائل شأنها بنفسها ومن يدري لعل القبائل هذه تشتاق لبعضها وتسعى لتكوين شعب.

هذا طرح ممكن وهو للعرض.

وإلا .. الله يستر.

بيروت في 2006/9/25

Exit mobile version