طلال سلمان

ديموقراطية قاتلة سلام

يبدو أن »الديموقراطية« و»السلام« خطان متوازيان لا يلتقيان أبدù في إسرائيل!
فمن يرفع شعار »السلام«، ولو بمعنى فرض الاستسلام على العرب، تسقطه »الديموقراطية الإسرائيلية« الفريدة في بابها،
وها هو الجنرال »الاشتراكي« إسحق رابين يترنح تحت ضربات »الديموقراطية الإسرائيلية«، مع أنه جنى، وخلال أقل من عامين، توقيعين عربيين على صكوك الاستسلام، أحدهما لمن يفترض فيه أن يكون رمز الرفض لأنه »الممثل الشرعي والوحيد« للقضية العربية المركزية: فلسطين!
وها هو المنظر الأساسي للمشروع الإسرائيلي الأمبراطوري »الشرق الأوسط الجديد« ينعي العملية السلمية بحجة أن لا أمل في إنجازها، وفق منظوره، في حياة الرئيس السوري حافظ الأسد، موفرù المزيد من السلاح والذخيرة »للديموقراطيين الإسرائيليين« ؟!! من أجل بناء المزيد من المستوطنات فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد طرد أهلها وتهجيرهم أو محاصرتهم حتى الاختناق برواد حقوق الانسان الذين استقدموا من أربع جهات الكون ليستمتعوا بأن يبنوا بيوتهم فوق جثث أصحاب الأرض الأصليين!
لكأن الاحتلال والتوغل فيه وتثبت أركانه بالقتل اليومي والجماعي للمدنيين هو الشرط الأول لقيام الديموقراطية في إسرائيل.
أو كأن الديموقراطية داخل الكيان الصهيوني لها مواصفات خاصة أبرزها الجنوح إلى الحرب المفتوحة ضد »الجيران« المستضعفين من العرب، بعد اجتثاث الفلسطينيين منهم من »أرض الميعاد«،
وفي إسرائيل وحدها تتم تربية الذئب والحمل في قفص واحد: العنصرية والديموقراطية!، الاشتراكية وحروب الابادة للفقراء الآخرين، الاقتصاد الموجَّه مع التعددية السياسية، الاحتلال العسكري وفرض المساعدات على العالم كله بحجة التعويض عن اليهود الذين اضطهدتهم النازية في ألمانيا الهتلرية!
* * *
وفق استطلاعات الرأي فإن الإسرائيليين قد اختاروا الديموقراطية!
أي أنهم اختاروا الاستمرار في الحرب التي ما توقفوا عن خوضها يومù واحدù، ومنذ ستين سنة أو يزيد!
فإسحق رابين »معتدل« و»ضعيف« في نظر الديموقراطيين الإسرائيليين! لا يشفع له أنه محطّم عظام الأطفال الفلسطينيين، وأنه بطل الاجتياح الجوي لجنوب لبنان ومهجر ثلاثماية ألف مواطن منه، وأنه هو الذي خلص إسرائيل من جحيم غزة وأسقط قيادة منظمة التحرير في غياهب الانحراف والتفريط مما دفعها لأن تحول الثوار القدامى إلى حرس حدود لاحتلاله داخل فلسطين وخارجها، وإلى مخبر غير مقنع يرشد إلى المقاومين في كل مكان وصولاً إلى بيروت الشاهدة الشهيد!
الديموقراطية الاسرائيلية لا تقبل المساومة، ولعلها قد تلجأ ذات يوم الى الرؤوس النووية لاقناع العرب بسلامها الشامل… خصوصا وانه أبدي!!
* * *
»السلام المبتور« يقتل أصحابه على الضفتين،
فهو عند الطرف العربي قد قتل بجوره الفاضح وعدم قابليته للحياة، أنور السادات، وشطب ياسر عرفات، وهمَّش الملك حسين، وأنعش رافضي الاحتلال والمتمسكين بأرضهم وحقوقهم فيها، كما انه قد أعاد الروح الى العمل الشعبي والى الشارع الوطني والقومي، وإن تحت راية الدين،
ذلك لأن العرب رأوا فيه استسلاما، برغم كل الاحتفالات الفخمة في البيت الأبيض والتي كانت كمن يرفع المحكوم بالاعدام الى مستوى عقدة الحبل المعد لشنقه،
بالمقابل فإن هذا »السلام المبتور« نفسه قد أسقط »الليكود« مرة، وها هو ينذر بإسقاط خصمه »حزب العمل«، وبالديموقراطية دائما التي لا تتحقق في إسرائيل إلا إذا اقترنت باستسلام عربي جماعي ومطلق!
ديموقراطية الليكود حققت لاسرائيل إخراج مصر من الصراع التاريخي، ولو الى حين،
وديموقراطية حزب العمل جاءت إسرائيل بنصر مزدوج: اذ أخرجت الفلسطينيين (رسميا) من الصراع المفتوح بسببهم أساسا، وسمحت للملك حسين ان يكشف عمق صداقته الحميمة مع الديموقراطيين الاسرائيليين جميعا، الليكوديون منهم والعماليون،
وفي انتظار ديموقراطية نتنياهو سيعيش »السلام« ميتا وسيتساقط أبطاله برصاص »التطرف« أو »الارهاب« أو »الأصولية« أو بالسكتة القلبية الناجمة عن هول ما أقدموا عليه!

Exit mobile version