طلال سلمان

ديموقراطية اسرائيلية تغتال تسوية

هل ضاعت »الفرصة الأخيرة« لتسوية مقبولة، في المدى المنظور؟!
على امتداد الأيام المنصرمة على توقف المفاوضات السورية الإسرائيلية في شيبردستاون الاميركية تراكمت سلسلة من المؤشرات التي إذا ما اضيفت الى وقائع أيام التفاوض الصعب لتبدى جلياً ان العودة الى الطاولة باتت أكثر صعوبة وأكثر تعقيداً منها في منتصف كانون الأول الماضي.
ثم ان وقائع الأيام القليلة الماضية، على المسرح السياسي الإسرائيلي بداية وأساساً وبالتالي على المسرح الاميركي، تكاد تنعي التسوية ذاتها وليس المفاوضات فحسب.
فبين مناورات ايهود باراك المتعددة والمتنوعة العناوين والاستهدافات والتي كشفت بعض »اسرار« قوته وألجأته الى الهرب المتكرر من تحديد موقف واضح وكأن الوقت مدى مفتوح أمامه بغير نهاية، وبين رمل الوقت الذي ينسرب بلا توقف من بين اصابع بيل كلينتون فيفضح أكثر فأكثر عجزه عن اتخاذ القرار ويقربه من دور »الناصح« وصاحب المساعي الحميدة والتمنيات الطيبة، هو الذي في موقع القادر على الفرض، نظرياً، تضاءلت فرصة »الانجاز التاريخي« حتى تكاد تنعدم تماما الآن.
اللعبة الإسرائيلية التقليدية تكرر نفسها من جديد لعل العرب يفهمون: إذا اردت أكثرية فعليك ان تتطرف، وان حاولت اظهار »الاعتدال« من أجل التسوية اسقطك »الشعب« باعتبارك من المفرطين!
فالديموقراطية الإسرائيلية هي بتكوينها ضد التسوية (ناهيك بالسلام!!) حتى لو عقدها ابطال الحرب الإسرائيلية. من يجيء مستسلماً يُقبل، اما من يتمسك بالحد الادنى من حقوقه في ارضه الوطنية فيصنَّف معادياً للسلام الإسرائيلي وارهابياً ومروجاً لكراهية اليهود والعداء للسامية والنظام العالمي الجديد!
ذلك ان لعبة الاصوات في دولة قامت على الحرب والتوسع واقتلاع اصحاب الارض ورميهم في الشتات، لا يمكن ان تكون »مع« اعادة الارض المحتلة واستبدالها باتفاقات سلام من ورق، ترسم لها حدوداً دون ما يطول سيف تفوقها على مجموع جيرانها الاعداء، حتى بعد التوقيع!
لذا فليست مفاجأة ان يتبدى بوضوح ان »الاستفتاء الشعبي« على »تسليم اراض للآخرين من ضمن تسوية« سينتهي باغتيال التسوية للاحتفاظ بالاراضي، وهي هنا هضبة الجولان السورية وما تيسر نهشه من الارض اللبنانية المحتلة وكل ما يجعل من فلسطين، الرباط المقدس والقضية المقدسة اضافة الى كونها الارض المقدسة.
ان الاستفتاء هو العذر الديموقراطي الشرعي لإلغاء التسوية: فالحكومة المكونة من ائتلاف مهلهل يضم جمعاً من التناقضات والمتنافرين، برئيسها المنتخب مباشرة من »الشعب« قد تخسر ائتلافها، وقد يخيَّرها »الشعب« بين استمرارها وبين السقوط في جب التسوية، كما ان هذا الشعب« قد يخذل »بطله« اذا ما رآه »يفرط« بنبيذ الجولان، او »بالحزام الامني« في جنوب لبنان او بأي من المستوطنات في الارض الفلسطينية المحتلة حتى حدود مصر، لأن هذا الشعب قد قرر »ديموقراطياً« الاحتفاظ بالارض المحتلة جميعاً من دون ان يخسر أي جندي من جنود احتلاله لها!
الأكثرية »الديموقراطية« مع الحكومة مبدئياً ضد التسوية عملياً ولكي تستمر الحكومة يجب ان تسقط التسوية (والا سقط الائتلاف) فإذا ما أقرت الحكومة التسوية اسقطهما الاستفتاء الشعبي معاً، ولن يعوضهما شيئاً دعم كلينتون الذي يدور الآن على المنظمات اليهودية لاستدرار الدعم لزوجته التي طالما خانها في بيته كما في مكتبه او بينهما!
للحظة يبدو وكأن باراك ما اعترف بوديعة رابين وذكر خط الرابع من حزيران بالأمس، إلاّ لكي يستنفر المعارضتين بل المعارضات جميعاً: خصوم رابين، والمستوطنون والمتدينون والطامعون بمشاركة باراك في الحكم بعد تراجع الموجة التي زكّته للخلاص من رعونة نتنياهو!
له عذره (الداخلي) باراك الآن: انه يريد ولا يقدر!
وله عذره (الداخلي) كلينتون، الآن: لقد حاول فلم ينجح،
اما العرب فلهم الله!
وأما التسوية فلها الزمن الآتي، ان كان لها متسع فيه..
وأما الانسحاب من لبنان، أقله باتفاق، فقد اضحى خرافة، وعلينا ان نستعد للأسوأ مما تختزنه الديموقراطية الإسرائيلية من ترسانة فائقة القدرة على التدمير!

Exit mobile version