طلال سلمان

دول النفط والغاز تستنزف المستقبل… وقومية “إسرائيل” تسقط القومية العربية!

بقدر ما يصبح النفط ومعه الغاز، وبالتالي دولهما العربية، ممالك وإمارات ومشيخات، هو مصدر القرار، يتم إخضاع المصالح العربية العليا، في التحرر والتحرير، لمنطق السوق… بعيداً عن ساحات النضال الوطني والقومي، والمصالح المباشرة لهذه الدول الغنية بالثروات التي منت بها عليها الطبيعة (الأرض والبحر) بغض النظر عن الأهلية والجدارة والقدرة على إدارة هذه الثروات بما يخدمها وينفع هذه الأمة في غدها، ولو عبر بناء دول قادرة ومؤهلة لحماية مستقبل أفضل، بعنوان أقطارها التي أغنتها الطبيعة، فكان يمكن أن تستغني عن الدول النافذة التي تحتاج ثروتها فتدفع ثمنها العادل.

على أن الثروة الهائلة الأكبر من حكام الأراضي والمياه التي أعطتها، أعادت الاستعمار إلى هذه المنطقة، فصار مركز القرار أميركياً، بالأساس وإسرائيلياً بالتالي، حيث لا فرق بين الأصل والفرع..

وهكذا أُخضع العرب، في معظم ديارهم، للقرار الأميركي ومعه بطبيعة الحال القرار الإسرائيلي.

وليست مصادفة أن تكون مشيخة قطر أول دولة في الخليج العربي تتجرأ على الإعتراف بدولة العدو الإسرائيلي وإقامة علاقات دبلوماسية (ومودة) معه…

وها هي العلاقات السرية بين عدد من حكام الجزيرة والخليج، بينهم أهل العرش السعودي، تخرج إلى العلن، خصوصاً وأن لقاءات على مستوى رفيع قد تمت في عواصم مختلفة، من ضمنها، على الأرجح، عمان الهاشمية.

أما الخبر الأكيد والذي أعلنته تل أبيب رسمياً، عشية إعلان إسرائيل دولة قومية ليهود العالم فهو القرار بفتح قنصلية إسرائيلية في دبي.. والبقية تأتي.

المفجع أن هذا العدوان الإسرائيلي الجديد والذي يكاد يعادل حرباً ليس على شعب فلسطين وحده، بل على الأمة العربية جميعاً قد مر مرور الكرام على أصحاب الجلالة والسيادة والسمو المتحكمين في حياة هذه الأمة.. ولعل الرئيس اللبناني العماد ميشال عون هو وحده الذي علق على هذا العدوان الجديد مستنكراً ومنبهاً إلى خطورته.

وعلى هذا الأساس فما الذي يمنع إسرائيل أن تضم الضفة الغربية إلى دولتها العتيدة بعد تطهيرها من الفلسطينيين، خصوصاً وقد استقبلت بعد قرارها، الذي يشابه إعلان الحرب، وزير خارجية روسيا الذي جاءها على رأس وفد كبير في عداده وزير الدفاع الروسي.

هل من الضروري التذكير بالوجود العسكري الروسي في سوريا (قاعدة حميميم) والدور الكبير الذي يلعبه الضباط الروس في برنامج المصالحات بين المعارضات المختلفة والنظام، مع استبعاد “المتطرفين” من الفصل الأخير من فصول الحرب في سوريا وعليها..

أن مؤشرات عديدة تدل على قرب نهاية إطلاق النار في هذه الحرب: ولكن السؤال هو أي سوريا ستكون بعدها، وكم سوف يستغرق إعادة بنائها من كلفة (وهي هائلة) ومن زمن (وهو عمر طويل..).

على الضفة الأخرى يمكن طرح السؤال ذاته حول العراق ومستقبله القريب والفوضى المسلحة تكاد تكمل تدمير ما تم إنقاذه مما منت عليه المقادير بالبقاء من معالم العمران والتقدم في بلاد الرافدين، كالصناعة والتقدم العلمي وتنمية القطاع الزراعي، قبل أن تدمر مغامرات صدام معظم هذه الإنجازات وتترك البلاد خراباً ويباباً وطوابير من الفقراء في حين اختفت ملايين أشجار النخيل.. ثم اكملت تركيا جميلها بإنقاص المياه المقررة لكل من سوريا والعراق من مياه نهر الفرات ودجلة اللذين ينبعان من أراضيها.

******

من سيقاوم دولة يهود العالم، والديانة اليهودية التي حولتها إسرائيل إلى قومية وساندتها الولايات المتحدة الأميركية لتكون أقوى من الدول العربية مجتمعة، بما في ذلك تلك الدولة التي تشتري السلاح من الروس..

أن اعتبار الدين اليهودي قومية واعتبار اسرائيل الدولة القومية ليهود العالم هو ـ بكل المعاني ـ إعلان حرب على العالم كله بعنوان فلسطين.. ولن يخفف من وقع هذه الجريمة ضد الإنسانية، التي تشمل في ثناياها طرد المليون ونصف المليون مواطن فلسطيني من ارضهم التاريخية التي توارثوها على امتداد آلاف السنين، بل انه ستشمل تهويد القدس الشريف وطرد المسلمين والمسيحيين منهم وهم الذين كانوا أهلها، على الدوام.

أما دول الجزيرة والخليج فمشغولة في حروب قائمة (ضد قطر ـ بالسلاح الاقتصادي والحصار ـ وضد اليمن بكل انواع اسلحة القتل وإبادة اسباب الحياة وابناء الحياة فيها..)

أن اسرائيل تتحدى العرب ليس في هويتهم فحسب، وليس في دولهم فقط، وانما في وجودهم ذاته، فضلاً عن ثرواتهم الخرافية التي ليست لهم فعلاً… لكن لا حياة لمن تنادي!

والتاريخ ليس اياماً واسابيع وشهوراً..

التاريخ للقادر على صنعه، اما العاجز عن مثل هذه المهمة فمن الطبيعي الا يهتم للجغرافيا، وبالتالي موقع بلاده ومستقبل اهلها فيها.

وقديماً كانت ايام دول المستقبل العربي سلسلة من اعياد العزة والكرامة والقرار المستقل.. وروح جمال عبد الناصر تضخ الامل بغد أفضل في اربع رياح الارض العربية.

اما اليوم فليس خوف دول الثروة العربية (النفط والغاز) من اسرائيل و”قومية” دولتها ولا من الأميركان وهيمنتهم، بل من اشقائهم الفقراء الذين لا حدود لأطماعهم وحسدهم..

وقديماً قيل:

لله در الحسد ما اعدله                    بدأ بصاحبه فقتله!

وطني لو شُغلت بالخلد عنه            نازعتني اليه في الخلد نفسي..

والمهم الا نقتل جمال عبد الناصر في غدنا بعدما قتله نظامه بالتواطؤ مع القوى المعادية، عربية واسرائيلية واميركية، بمنعه من انجاز النصر الذي بشر به في السويس، كما في إقامة دولة الوحدة، ثم رحل قبل أن يتم تحقيق حلمه وهو عنوان احلامنا جميعاً.

فأما جمال عبد الناصر فقد مات..

وأما الامة فهي تختزنه في ضميرها وفي جهد نخبها من اجل تحقيق الغد الافضل الذي بشر به وعمل له وأعجزه نظامه وتواطؤ الانظمة العربية الأخرى عن تحقيقه.

تنشر بالتزامن مع السفير العربي

 

Exit mobile version