طلال سلمان

دولة اوقاف طوائف

لن يجد العيد صاحبه هذا العام… فالقصر الذي بُنِيَ ليكون رمزاً لاستقلال الجمهورية الصغيرة، وقام على حراسته ديدبان لا ينام اسمه الدستور ، مقفل للتصليحات، والحارس محجور عليه في مصح للأمراض التشريعية بعدما تكاثرت الاجتهادات والتفسيرات المتناقضة في تحديد أسباب اعتلاله تمهيداً لتأمين عودته سالماً معافى يحسم الإشكالات والخلافات ولا يكون سبباً فيها.
لن يجد العيد صاحبه هذا العام… فالقصر مغلق و الجمهورية تشظت مناطق نفوذ للطوائف، وقد استُنْبِتَ استقلال ثان لن يستطيع العيد أن يتعرّف إليه، فهو يرطن بلغات كثيرة، ولا رباط له في الأرض، بل هو معلق في فضاء الهجانة والغربة.
الاستقلال يتيم مثل دولته التي كانت جمهورية وصارت مشاعات بعدد الطوائف والمذاهب، وليس له على اللبنانيين المشغولين بصراعاتهم العبثية إلا بضعة أكاليل ورد يضعونها في مثل هذا اليوم على أضرحة المؤسسين الذين يُعاملون منذ زمن بمنطق اذكروا محاسن موتاكم !
الاستقلال الثاني هو عيد انفصال كل طائفة عن الأخرى، وعيد استقلال الطوائف عن الوطن، وعيد استقلال الحكم عن الدولة.
ولأن الرئيس صار طائفة فقد صار موقعه وقفاً لا يمكن التصرف فيه إلا بإذن شرعي من المراجع، والمراجع دول، والدول مصالح، والمصالح عابرة للأوطان واستقلالاتها.
صارت الدولة مجموعة من أراضي الوقف . كل وقف منذور لطائفته. وصار الرئيس وكيل وقف طائفته.
والطوائف تستدرج الدول ، متوهمة، عبر وكلائها، أنها صارت كيانات سياسية لها استقلالاتها الذاتية، ومن حقها التعاقد المباشر مع الخارج، إذ إن لكل طائفة شرعيتها .
فحتى الشرعية صارت وجهة نظر . فهناك شرعية غربية، وشرعية شرقية، شرعية دستورية وشرعية ميثاقية، شرعية ديموقراطية وشرعية طائفية، وفوق هذه جميعاً هناك شرعيات يمكن استيرادها جاهزة، وشرعيات معتلّة يمكن دعمها بالدولار مثل البنزين والمازوت وسعر الليرة.
في أيام استقلال الدولة كانت الصيغة تناسب المقام.
وفي أيام دولة الاستقلال جرت محاولة لإعادة صياغة الصيغة فاختل النظام وارتجّ الكيان.
أما في أيام الاستقلال الثاني فقد غدا لبنان شبكة من المحميات الطائفية، لا يحق لأي منها التدخل في شؤون الأخرى، وكلما زادت محميات الطوائف عدداً ومساحة ونفوذاً نقص الوطن وتلاشت الدولة وقضى الاستقلال نحبه على درج القصر الباقي بلا دستور حارس.
فأي رئيس يمكن أن ينتجه تحالف الطوائف لمثل هذا القصر الفارغ الآن من ساكنه بقدر ما الدستور مفرغ من مضمونه؟!
المحزن أن اللبنانيين تنازلوا فارتضوا أن يحكمهم من تسميهم طوائفهم، لكن الطوائف لمّا ترض… لأن الطائفة غول يبدأ بالتهام غيرها وينتهي بأبنائها أنفسهم.
… وسنظل ننتظر رئيساً للجمهورية، كائنة ما كانت اعتراضاتنا على المبدأ كما على الأسلوب، لأننا لا نريد أن نيأس من الوطن ودولته التي تكاد تصبح تذكاراً من الماضي.

Exit mobile version