طلال سلمان

دولة الجيب…

لم يعرف الفلسطينيون لهم دولة في تاريخهم الحديث. حتى «الكيان» المستحدث الذي أخرجته معاهدة سايكس ـ بيكو، بين «ورثة» السلطنة العثمانية، بريطانيا وفرنسا، من رحم سوريا الطبيعية، سرعان ما صادره «وعد بلفور» لحساب مشروع «دولة إسرائيل» التي ستقام ـ بالقوة ـ بعد حين.
تثبيتاً للكيان الإسرائيلي بقرار التقسيم في مجلس الأمن الدولي، تم إلحاق ما تبقى من فلسطين بالإمارة الهاشمية في الأردن التي صيرت «مملكة»، بينما ألحق قطاع غزة بالإدارة المصرية وبحاكم عسكري تعينه القاهرة، في حين باشر فلسطينيو الشتات التنادي للتجمع في حركات تنظيمية ترفع شعار الكفاح المسلح سعيا إلى التحرير، وكانت «فتح» بقيادة ياسر عرفات و«الجبهة الشعبية» بقيادة الدكتور جورج حبش الأبرز والأكثر شعبية.
في العام 1964، ستقوم «منظمة التحرير الوطني الفلسطيني» كإطار للعمل الوطني الفلسطيني، برعاية مباشرة من عبد الناصر. وبعد معركة «الكرامة» التي خاضها مقاتلون فلسطينيون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، في غور الأردن، تقدمت فتح نحو «السلطة» فسيطرت على منظمة التحرير وصار ياسر عرفات مطلقاً.
كان حلم «الدولة» في الأفق، وان ظلت حدودها غائمة والعلاقة المحتملة مع الكيان الإسرائيلي مضطربة نظرياً: دولة واحدة (ديموقراطية) ثنائية الجنسية تتسع للفلسطينيين والإسرائيليين، دولة فلسطينية من النهر إلى البحر، دولتان لشعبين.
بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وإخراج منظمة التحرير والمقاتلين الفلسطينيين منه، استقبلتها تونس كلاجئ سياسي، إلى جانب الجامعة العربية التي كانت أخرجت من القاهرة وألجئت إلى تونس أيضا بعد معاهدة الصلح المنفرد التي عقدتها مصر السادات مع العدو الإسرائيلي.
بعد غزو الكويت (1990) قدمت الإدارة الأميركية «مكافأة» لمن شارك في «حرب تحرير الكويت» ضد عراق صدام حسين: مؤتمر مدريد (1991)… لكن منظمة التحرير لم يكن لها حق العضوية، وإنما أشركت بعضوين في بطن الوفد الأردني. وردت قيادة المنظمة بالاتفاق المنفرد مع إسرائيل (أوسلو 1993) ودائماً تحت الرعاية الأميركية، ولو مستترة… وكانت النتيجة القبول بسلطة محلية في ظل السيطرة الكاملة لدولة إسرائيل.
مؤخراً وبعدما كادت إسرائيل تفرغ من التهام القدس العربية، بالهدم والمصادرة، وعلى ربع الأرض في الضفة الغربية لحساب المستوطنات، عادت «السلطة» إلى شعار «الدولتين»، وجددت جمع الاعترافات بالدولة ـ الحلم، بينما أقامت «حماس» شبه «دولة» لها في غزة، بالتضاد مع «دولة» فتح في الضفة.
صار الفلسطينيون «رهائن» داخل ما تبقى من أرض فلسطين، موزعين على دولة إسرائيل التي أعلنت نفسها «دولة يهود العالم الديموقراطية» فارضة على الفلسطينيين داخل كيانها ان يقسموا يمين «الولاء» للدولة التي تلغيهم.
انطوى حلم الدولة الفلسطينية، حتى إشعار آخر،
وفي هذا العدد من «السفير ـ فلسطين» استعادة لسيرة الدولة في التجربة الفلسطينية، والتي تشابه «كاريكاتور» الفنان الكبير حلمي التوني.

Exit mobile version