طلال سلمان

دور جامعة لا طائفة رئيس

تمور الجامعة اللبنانية، الآن، بالنقاش، وتعيش لحظة نادرة من استعادة الاهتمام بالذات بعد دهر من اليأس من إمكان معالجة »الفالج الذي لا يعالج«.
عاد شيء من الأمل إلى أوساط هيئات التدريس والتجمعات الطالبية، والمهتمين بمستقبل هذه المؤسسة الموحدة والتي توالت عليها الضربات والطعنات حتى أبعدتها عن دورها الأكاديمي المفترض وأعجزتها عن أداء مهمتها الوطنية المرتجاة.
وبديهي أن يحضر المعنيون بمصير الجامعة، وأن يرفعوا صوتهم لحمايتها مفيدين من فرصة فتح ملفها لمناسبة تعيين رئيس جديد لها، والاضطرار إلى إعادة بناء مجلس الجامعة المشلول حالياً لانتهاء مدة الغالبية الساحقة من أعضائه، ومن ثم انفتاح الفرصة للنظر في الأوضاع المزرية التي فُرض عليها أن تعيش (بل أن تموت) في ظلها.
لقد انتبه الجميع، مدرّسين وطلابا، إلى أنهم معنيون بمستقبل هذه المؤسسة التي باتت مهددة في وجودها، وقرروا رفع أصواتهم في الدفاع عنها، عن استمرارها وعن استمرارهم فيها، وإعلان موقفهم ولو من باب محاولة التأثير أو »ترشيد« القرار السياسي في شأن تعيين الرئيس كمدخل لتصحيح الأوضاع الشاذة فيها منذ سنين.
هم يعرفون أن أحدا، على المستوى الرسمي، لن يهتم بآرائهم: بانتقاداتهم وملاحظاتهم ومواجعهم… وأن أحدا لن ينظر إلى الجامعة وهو »يناقش« مؤهلات المرشحين لمنصب الرئيس الجديد، بل سيجري ذلك كله ضمن قواعد لعبة المحاصصة والتقاسم الطائفي والمذهبي.
وليس النقاش حول طائفة الرئيس العتيد للجامعة، بل هو حول كفاءته وقدرته على إعادة الاعتبار إلى هذه المؤسسة الوطنية وتمكينها من لعب دورها الحيوي في تخريج أجيال من الشباب المؤهل والقادر على الإسهام في معركة التقدم، والأهم رعايتها وحمايتها كقاعدة راسخة للانصهار الوطني، يتلاقى فيها فتية لبنان الآتون من بيئات مختلفة والمثقلون بتركة الحرب الأهلية وسمومها الطائفية المدمرة.
ومن يحرف النقاش إلى حقوق الطوائف في المواقع إنما يحاول »تمرير« المشكوك في كفاءته، أو المطعون في مستواه الأكاديمي أو في أمانته… فإذا صار الشعار »الطائفة فوق الجميع«، فإن الوجه الآخر يكون »… والجامعة تحت الجميع«، والمسلح بانتمائه الطائفي كمؤهل أساسي هو ذلك الذي لا يملك مسوغات تعيين تؤهله فعلاً لأن يكون رئيساً للجامعة.
وإذا كانت مقتضيات »المصلحة العليا« تفرض الحفاظ على رقعة شطرنج التعيينات بتوازناتها الطائفية والمذهبية الهشة واللاغية للمؤسسات فإن الحريصين على الجامعة مستعدون للتواضع في أحلامهم إلى حد الاكتفاء باختيار الأكفأ من بين أبناء الطائفة ذاتها: المسلَّم بمستواه الأكاديمي الرفيع أو بقدراته الإدارية المميزة، واستطراداً بإيمانه الثابت بخطورة دور الجامعة كجامعة تحتضن الشباب وتأخذهم من الفرقة إلى الوحدة ومن الانقسام حول الأمس إلى التوحد لاستنقاذ الغد.
لتكن هذه فرصة للتصحيح قبل أن ينهار هذا الصرح الذي طالما انعقدت حوله آمال اللبنانيين.
إن بين أساتذة الجامعة نخبة ممتازة تتوزع بانتماءاتها على مختلف الطوائف والمذاهب، إذا ما كان لازماً اعتماد هذا المعيار، وبالتالي فمن الممكن »اختيار« رئيس قادر على أداء مهمة صعبة عنوانها إعادة بناء الجامعة خصوصا إذا ما تم تعزيزه بمجلس جامعة رفيع المستوى، دون أن تتسبّب الكفاءة بضرب التوازنات الطائفية والمذهبية التي أضفيت عليها بعد الحرب قداسة مزمنة ولكنها ملزمة!
لتكن فرصة لإحياء الأمل وإعادة الروح إلى هذه الجامعة التي يحتشد فيها عشرات الألوف من الطلبة الفقراء والمجدين والذين يحفرون طريقهم إلى غد أفضل بأظافرهم ونور العيون، بدل أن تكون تكية للمدرّسين الفاشلين وللطلاب المحكومين بالفشل والبطالة.
لقد نخرت المناكفات والمنافسات السياسية الصغيرة المستندة إلى خلفيات طائفية جسد الجامعة على امتداد سنوات الحرب ثم ما بعدها.
بدأ الأمر بجريمة التفريع التي تمّ تبريرها بأنها تدبير مؤقت يهدف إلى حماية وجود الجامعة موحّدة في رسالتها، ولو مفرّقة في مبانيها، بعدما تعذر اجتماع طلابها وأساتذتها في مكان واحد.
لكن الطائفية سرعان ما حوّلت التفريع إلى تقسيم مواز تماماً ومكمل للتقسيم السياسي المرتكز إلى قواعد طائفية ومذهبية والذي فرضته الحرب كأمر واقع على البلاد والإدارات جميعا.
وهكذا صارت الجامعة ملعب رياح للدعوات التقسيمية وارتفعت جدران الانعزال بين الفروع حتى صار مستحيلاً جمع طلاب الكلية الواحدة (المفرّعة) في حفل تخريج واحد!
لم تعد الجامعة جامعة بل تحولت إلى مواقع نفوذ للقوى التي استولدتها حروب الطوائف خلال الحرب… وحكمت المعايير الطائفية النظرة إلى مستقبل الجامعة كمشروع وطني موحَّد وموحِّد.
من هنا باتت المهمة إعادة بناء الجامعة كما حلم بها وكما يريدها شباب لبنان، وتركيز الاهتمام على »الرئيس الجديد« انطلاقا من قدرته على إنجاز هذه المهمة أكثر مما هي تزكية لهذا أو ذاك من مرشحي أنفسهم أو مرشحي غيرهم أو المرشحين بالاضطرار ودائما تحت عنوان الأكثر إرضاء لطائفته وليس الأكثر قدرة من بين المحكومين بإشهار انتمائهم الطائفي على أداء المهمة الوطنية الجليلة التي اسمها إعادة بناء جامعة لبنان وليس تأمين انتصار الطائفي على الوطني، و»التابع« على »الكفوء« المستقل برأيه والنزيه في تعامله مع قضية الجامعة من أجل وطنه ومن ضمنه طائفته باعتبارها إحدى مكوناته وليست البديل منه!
إنها قضية الوطن وليست الحسبة الطائفية.
(ماذا يقول الأساتذة على الصفحة 12)

Exit mobile version