طلال سلمان

دوائر لبنانية متقاطعة في صراعات عربية مدولة

على امتداد أربعة أيام <قطرية> طويلة، تحوّلت <الأجنحة الرئاسية> في فندق شيراتون الذي كان ولا يزال <مركز الدوحة للاتصالات، والصفقات، العربية والدولية>، وبرغم التوسعات التي شهدتها وتشهدها، بعد، هذه العاصمة المزدهرة بالأنشطة جميعاً، مالياً وعمرانياً، وبالتجارة والأعمال كما بالثقافة… تحولت تلك الأجنحة إلى حقل مناورات سياسية متعددة الهويات والاهداف بعنوان لبناني يكاد يختصر بعض <حروب> المنطقة: مؤتمر المصالحة في لبنان!
صار هذا الفندق، الذي دخل التاريخ غير مرة، <لبنان مصغراً> بجبهاته الداخلية و<الاقليمية> والدولية، ضيقاً ـ على اتساعه ـ بأصحاب المساعي الحميدة من العرب، بداية، بقيادة قطر، ممثلة بأميرها الشيخ حمد بن خليفة ومعه رئيس الحكومة ـ وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر، يعززهما ويرفدهما بالدعم المفتوح الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وبضعة من وزراء الخارجية العرب، مشرقاً ومغرباً، هذا عدا عن الموفدين الخصوصيين والسفراء المعتمدين، سواء من عوض غياب وزيره أو ناب عنه برغم حضوره!
يمكن القول براحة ضمير: كل العالم محتشد بدوله المختلفة الاغراض والمصالح في هذا الفندق الذي بُني على شكل هرم عصري، على أرض مقتطعة من البحر، حيث تكمن الثروة التي تتجاوز أي رقم فلكي، ثم <دفنها> بالصخور والرمال المضغوطة كي تصمد لاثقال التوسع العمراني فوقها، ومن هنا جاءها اسمها <الدفنة>… التي طالما دفنت وستدفن من اسرار الدول!
من ليس ممثلاً بالظاهرين من الرجال والنساء أوفد بعضاً من <الطيور المهاجرة> تسأل وتسأل وتسأل، قبل ان تتقدم بالأجوبة المطلوبة للأسئلة التي يطلقها بعض الحائرين هنا.
[ [ [
حتى مساء الاثنين كان المشهد اجمل من ان يكون حقيقياً. صحيح ان هناك الكثير من الجدل، لكن <الجو> كان يستولد قدراً من التفاؤل: فالاتفاق على شخص الرئيس الجديد معلن وملزم، والتفاهم على مشروع حكومة الوفاق الوطني قائم، وان تباينت الأرقام من دون ان تؤثر على اطمئنان الفرقاء المختلفين، وبالتالي فإن الموضوع الباقي للبت بما يعزز التوافق هو قانون الانتخابات الجديد وتقسيماته، أي الدوائر… وطالما ان <قانون الستين> هو المطلب الذي تتقاطع عليه وفيه مصالح الاطراف جميعاً، إذن فلا مشكلة!
بدأ الجدل حول التعديلات المطلوبة، حديثاً، على القانون العتيق، المخالف لاتفاق الطائف ودستوره.. لكن الجميع <طنش> عن هذه <المخالفة البسيطة> بذريعة ان الضرورات تبيح المحظورات.
تطور الجدل إلى اختلافات في الاجتهاد.. ومع احتدام الجدل أخذت تتساقط بعض الدلالات الديموقراطية لأي انتخابات.. وكلما حذف مضمون ديموقراطي حل محله آلياً مفهوم يثبت الطائفية ويكرسها إلى الأبد، ملغياً أي علاقة بين الانتخابات النيابية والديموقراطية.
كيف تصل إلى قانون انتخابي متقدم في ظل مناخ طائفي بل مذهبي متفجر؟!
… وخالد حدادة يتصل من بيروت وصوته ينضح بالغيظ والكمد: لعلكم، بل لعلهم يستطيعون انقاذ ما يمكن انقاذه من <مشروع فؤاد بطرس>: النسبية مع المحافظة!
لكن صرختك، أيها الرفيق الذي تعيش في احلام صار الجميع يعتبرها من الماضي، لن تجد من يسمعها بين هؤلاء الذين تتركز حساباتهم على جدول الأرباح والخسائر، في هذه اللحظة المثقلة بهياج المشاعر والعصبيات الطائفية والمذهبية… والعنصرية إلى حد ما!
في لحظة ما بدا البعض كأنه يناقش ان كان من حق هذا أو ذاك من المواطنين الادعاء انه من بيروت أو في بيروت أو لبيروت منذ ولادته… وكأنما بيروت جرم فضائي يدور على نفسه في فلك مستقل لا هو في السماء ولا هو على الأرض.
كان كل تكتل كبير يراجع الأرقام بعيون حلفائه… وكثيراً ما تقاطعت مصالح بعض القوى في 14 آذار مع مصالح مجموعات في 8 آذار، والعكس بالعكس.
صارت دائرة بيروت الثانية مركز الدائرة، من فاز فيها نال جائزة الأكثرية في المجلس النيابي. بالاستطراد صار <الأرمن>، والطاشناق بالذات، <الصوت المرجح> في حكم الغد: لهم كتلتهم المؤثرة في نتائج بيروت، ثم في جبل لبنان، وأخيراً في البقاع، ولو بصوت واحد.
ولساعات طويلة كان <الأرمن> موضع تجاذب شديد: انقلوهم إلى بيروت الأولى!. لا بل ابقوهم في الثانية! لا بل وزعوهم حتى يتضاءل تأثيرهم!
… ولعل الجميع قد نسي أو تناسى ان الأرمن، تقليدياً، وعرفاً، كانوا يحتسبون دائماً من <حصة> رئيس الجمهورية!
[ [ [
الذكريات تحكم الحاضر وتتحكم بالمستقبل: سقط التحالف الرباعي الذي ضبط الايقاع الانتخابي، ومن ثم قرر الأكثرية والأقلية، في العام ,2005 وسقطت معه ضمانات كثيرة كانت تهدئ المخاوف بقدر ما تضمن الانتصار بلا معركة!
لا أحد يريد التحالف مجددا.. لكن انفراطه بالطريقة الدراماتيكية التي كلفت اللبنانيين بعض ركائز الثقة في ما بينهم وبعض عوامل اطمئنانهم واستقرارهم، تتبدى نتائجه الآن مقلقة بل ومثيرة للمخاوف… خصوصاً بعد <الأيام السوداء> التي عاشتها بيروت، في الأسبوع الثاني من أيار، والذي لا يجادل أحد الآن في ان القرار الحكومي حول <سلاح الاشارة> كان نقطة التفجير، وكان خطأ سياسياً يداني حدود الخطيئة، وإن كان كثيرون لا يقبلون منطق <ان ما وقع لبيروت وفيها بعده إنما كان نتيجة حتمية، مع وعي من نفذها بخطورتها>، ولا يقبلون ان يطووا صفحتها ليلتفتوا إلى الغد.،. إلا إذا ضمنوا الأكثرية في انتخابات الغد!. وليس جديداً ان توظف اخطاء الأمس لاصطناع غد مختلف عما كان.
[ [ [
مساء الاثنين سمع الجميع هنا ما اقلقهم واشعرهم بأن لقاءاتهم لن تنتهي بالنجاح الذي يتمناه الناس: القرار <الحربي> المباغت الذي اتخذه مجلس الوزراء السعودي، والذي صدر وهو يعبق بتهديدات ضمنية لاطراف لبنانية، (بالتأسيس لا بالتجنيس، على ما يقول الكويتيون)، مشاركة في هذا المؤتمر… إذ اعتبرها تنتمي أو تتبع <قوميات> أخرى، غير عربية!
وانتبه الجميع إلى ان الأفق ليس صافياً بقدر ما كانوا يفترضون أو يأملون، وان خلف الأكمة <كمائن>، وان ليس ثمة ما هو <محلي> خالص، وان الوسطاء العرب، على كثرتهم وحضورهم الكثيف، لا يعوضون غياب من احتجبوا أو غيبوا أنفسهم تاركين <لحلفائهم> ان يخوضوا المعركة، فإن فازوا بغنائمها كفى الله المؤمنين شر القتال، وإلا تدخلت <دول الحماية> للنجدة وتبديل النتائج بتعديل موازين القوة!
من محاسن الصدف ان كان أمس، الثلاثاء، الموعد المقرر للقاء التشاوري لقمة مجلس التعاون الخليجي.. وهكذا كان بوسع أمير قطر ان يذهب للمشاركة فيه، وان يفيد من فرصة اللقاء مع المسؤولين السعوديين الكبار كي يستوضح خلفيات <القرار الحربي>، وان يطمئنهم الى مجريات الحوار الجاري تحت رعايته، وان يعود بما يوفر المزيد من ضمانات النجاح لمؤتمر المصالحة الذي يختزل عنوانه اللبناني دولاً كثيرة.
… وكانت فرصة للأمين العام لجامعة الدول العربية ان يغيب هو الآخر، في رحلة قصيرة إلى البحرين، لحضور مؤتمر دولي، بذريعة ضرورة التلاقي مع وزير خارجية الصين في المنامة، على ان يعود مع الصباح… وقد تبلور الحل اللبناني، عربياً!
[ [ [
في تقدير <الخبراء> بخفايا السياسات العربية ان الحل سيولد مع صباح اليوم، الأربعاء.. خصوصاً ان الوصول إليه، لبنانياً، ليس بالمعضلة!
فعلى أهمية الدائرة الانتخابية في بيروت الثانية فانها لا تستحق حروباً على مستوى <الاقليم> الذي يكاد يغرق بدماء الضحايا، وكلهم من العرب العاربة، سواء في العراق تحت الاحتلال الأميركي، أو في فلسطين الممزقة بالاحتلال الإسرائيلي وبحصار التجويع الملازم له في غزة، أو في لبنان الذي يكاد يختزل أزمات المنطقة جميعاً وحروب <الدول> جميعاً على مناطق النفوذ فيها، والذي شهدت عاصمته ـ الأميرة نذراً بانفجار واسع إذا لم تعالج الأسباب ومن ثم النتائج لمجريات الأسبوعين الماضيين.
سينام المؤتمرون هنا على كثير من الأمل بانفراجات تسبق الصباح وتيسر أمر الحل الذي ليس في حقيقته على مثل هذا التعقيد المفترض، والذي من شأن تعطيله ان يوقظ الشياطين النائمة..
ولعل بين اخطر دواعي الاطمئنان منطقاً مفاده: ان الحكم الشاطر في قطر ما كان ليزج بنفسه، مباشرة، في هذا المأزق اللبناني المتفجر، بالدول الكثيرة التي يختزنها، لو لم يكن مطمئناً إلى النجاح.
أما حقول الألغام فهو مدرب محترف على اجتيازها بسلام!
… فتفاءلوا بالخير تجدوه، قولوا: إن شاء الله!

Exit mobile version