طلال سلمان

دروس »التجربة اولى« في لقاء انان بشار اسد

هي مصادفة قدرية، غير مقصودة ولم يكن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان يملك أن يخطط لها كي تتم في هذا الوقت بالذات فتبدو وكأنها موعد مضروب مسبقا لتحديد الأولويات في جدول أعمال الرئيس السوري العتيد: بشار حافظ الأسد.
فبعد »الداخل« مباشرة، بل معه تماما وكأنه منه وفيه، يفرض موضوع لبنان نفسه ومن زاوية محددة تماما: الاحتلال الإسرائيلي والجلاء الذي اتخذ، لمرة، وتحت ضغط المقاومة الباسلة، صيغة تنفيذ واحد من القرارات العديدة المنسية أو المهملة للمنظمة الدولية التي لم تحترمها إسرائيل يوما، الأمم المتحدة، ولا هي »اعترفت« بأي دور لها في الصراع العربي الإسرائيلي، اللهم إلا قرارها بإقامة الكيان الإسرائيلي فوق الأرض الفلسطينية، ولو على قاعدة التقسيم الذي لم يتم أبدا.
وبرغم أن زيارة أنان تجيء في إطار إبلاغ دمشق حصيلة المجهود »الأممي« من أجل تنفيذ دقيق وأمين للقرار 425، وما سوف يترتب عليه مما سوف يعنيها مباشرة، ليس فقط بسبب من علاقاتها المميزة مع لبنان المنتصر بمقاومته التي حظيت دائماً بالرعاية السورية، بل أساسا بسبب من الدور »الإقليمي« المؤثر والحيوي لسوريا وموقعها الحاسم في هذا الصراع التاريخي المفتوح والذي سيبقى مفتوحا ما لم تتبدل طبيعة الكيان الإسرائيلي.
لا مجال »لامتحان« بشار الأسد، و»استكشاف« موقفه، و»مساومته« على إعلان تأييده لتنفيذ القرار الدولي… ذلك ان والده الراحل قد أرسى من الثوابت في موضوع الصراع الأصلي، كما في مجال المساعي من أجل »سلام عادل وشامل ومشرف« ما جعل اختيار نجله رئيسا أمرا محسوما حتى من قبل ان تتحرك المؤسسات لاستكمال الخطوات الدستورية لتنصيبه »قائدا لمسيرة الشعب والحزب«.
ولا مجال للخطأ في تحديد الدور المتاح للأمم المتحدة، ولأمينها العام بالذات، ان تلعبه في هذه المرحلة، وعلى المسرح اللبناني بالذات… فالمحادثات الهاتفية المتقطعة والتي تكرر الاتصال خلالها فامتدت لأربع ساعات ما بين منتصف ليل السبت الفائت وفجر الأحد، بين وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت والرئيس اللبناني إميل لحود، تكفي بذاتها لتوضيح المواقف جميعا بدءا بواشنطن وصولا الى باريس وانتهاء بالمنظمة الدولية.
وإذا كان الرئيس لحود قد اضطر، وقد استفزته نبرة التهديد، إلى إنهاء هذه »المحادثات« غير الودية، معتذرا بأن الساعة في بيروت قد بلغت الرابعة صباحا، فإنه كان قادرا على أن يستخلص منها ان كوفي أنان إنما يجيء بتكليف أميركي لإثبات صدق الالتزام الإسرائيلي بالقرار الدولي، ولمطالبة لبنان ومن خلفه سوريا بضمان أمن الحدود الإسرائيلية بعد انسحاب جيش الاحتلال، وبغض النظر عن الثغرات والاختراقات والمواقع التي احتفظ بها فوق التلال والهضاب لكي يكون »مشرفا« على حركة هؤلاء الفتية المجاهدين الذين أخرجوه بدمائهم من أرضهم فطهروها.
على أن هذا لا يمنع الترحيب بالأمين العام للأمم المتحدة، وخصوصا أنه عدَّل موقفه »المتصلب« الذي أعلنه من نيويورك، بلهجة كادت تقارب الإنذار، فاعترف في بيروت وهو سيعترف في دمشق، كما اضطر الى الاعتراف في القاهرة، وبعدما استوضح الرئيس المصري حسني مبارك الرئيس لحود حقيقة »الخط الأزرق« وعرف انه »خط وهمي« لا يتطابق مع الحدود الدولية المعترف بها بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي، لما تتم انسحابها من الأرض اللبنانية تنفيذا للقرار الدولي بحرفيته.
إنها التجربة الأولى، بالمعنى الرسمي، ولكنها ليست المقاربة الأولى للصراع العربي الإسرائيلي في بعض وجوهه الجوهرية برغم انها قد تبدو تفصيلية، فبشار الأسد وُلد وعاش في حومة هذا الصراع الذي رحل والده العظيم وهو في ميدانه، بغير أن يستسلم أو يضعف فيشتري السلامة والرئاسة لنجله بالتنازل عن »بضعة أمتار« من الأرض.
انه اعتراف إضافي، ضمني وفعلي، بتلازم المسارين، السوري واللبناني، حتى بعد الجلاء الإسرائيلي.
وهو تأكيد للترابط المصيري بين سوريا ولبنان، وعلى قاعدة سياسية ثابتة وليس فقط بسبب صلات القربى والمصالح المشتركة بين »الشعب الواحد في دولتين«، يظل بين أبرز عناوينها »الخطر الإسرائيلي« الفعلي وما ترتب عليه في الماضي من تشريد للفلسطينيين واجتياح للأراضي العربية، و»التهديد الإسرائيلي« المفتوح بالأرض المحروقة، اليوم وغدا وكل يوم… ما لم تتبدل طبيعة الكيان الصهيوني، وما لم يستعد الفلسطينيون الحد الأدنى من حقوقهم المشروعة في أرضهم، وأعدادهم »كلاجئين« في لبنان وسوريا تزيد على مليون نسمة.
هي مصادفة، ولكنها وفرت لبشار الأسد الفرصة لكي يبدأ من حيث عليه أن يبدأ، أي من »الداخل« الذي حدوده الخطر الإسرائيلي على لبنان وعلى سوريا، وضرورة مواجهته بالوسائل جميعا: سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا وثقافيا وعلميا، وصولا الى المقاومة المسلحة حين يقتضي الأمر.

Exit mobile version