«هو الموت، حقيقي، كما الحياة.. ولكن لماذا نذهب إليه ونستعجله، طالما انه لا بد آت! فلنعش حياتنا كما ينبغي ان نعيشها، فإذا ما جاءنا غادرنا بلا حسرة أو ندم… وهكذا سأظل أتحرك، ألتقي الأصدقاء، أنظم اللقاء… وقد فرغت تقريباً من كتابة مذكراتي في الإدارة، وهي عمري. فأنا عايشت العهود جميعاً، وعرفت الكبار جميعاً، وأفترض أنني أملك خبرة نادرة في فهم هذا اللبنان الغني بتناقضاته كما بميزاته، والذي كان ـ في الغالب الأعم ـ أكبر من حكامه».
يصمت سميح الصلح قليلاً قبل أن يستأنف حديثه: نحن آل الصلح لم نعرف من المهن إلا السياسة والإدارة. ليس بيننا تاجر أو صاحب معمل أو مصرفي معروف. والسياسة هي فن العلاقة مع الناس.. وفي هذا العصر قليل هم السياسيون، لأن قلة قليلة من بينهم يهتمون بالناس ويتابعون مسائل حياتهم بالاهتمام اللازم.
ـ ومجلسك الفريد في بابه؟! ألن تعيد إليه النصاب والانتظام؟! لقد كان منتدى يجمع المختلفين، وتطرح فيه المسائل جميعاً.
نظر من خلف نظارتيه وابتسم وهو يقول: لا بديل منه، ولكنني كنت أنتظر المزيد من الهدوء لكي يمكننا سماع بعضنا البعض.. في أي حال، أعتبر أن المجلس عائد قريباً، ولدينا جدول أعمال حافل.
.. وغادرنا سميح الصلح الذي يمكن وصفه بـ«داخلية لبنان»، وقد عمل في هذه الوزارة قائمقاماً ومحافظاً ومديراً عاماً ووزير ظل، حتى صار الأخبر والأقدر على التصرف.
أمس، وبهدوء، مضى سميح مصطفى الصلح إلى بارئه، تاركاً في مجلس العارفين والمحاورين وأصحاب الخبرة التي تمتد من الكيان الى الدولة فراغاً من الصعب أن يملأه غيره. رحمه الله.