طلال سلمان

خطا في غياب لا في مبادرة عمرو موسى

يستحيل على أي مواطن عربي أن يفهم فيقبل، بعقله قبل عواطفه، هذه الحملة الضارية الصاعقة التي شنت، فجأة وبغير مقدمات تبررها، على الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، بسبب ما أشيع من أنه »ينوي« أو »يستعد« أو »يحضّر« لمبادرة تتصل بلبنان والعلاقات اللبنانية السورية التي تكاد تصل في توترها إلى درجة الخطر على سلامة البلدين الشقيقين، وليس فقط على علاقاتهما المتداخلة إلى حد التكامل.
ذلك أن لا الأمين العام للجامعة ادعى أنه يمتلك أو يحضّر لمبادرة، وفي ذلك قصور منه، لو أننا نريد محاسبته ، ولا هو باشر جهداً في هذا المجال، وإن كان قد »استكشف الجو« و»درس المناخ« عبر سلسلة من الاتصالات المباشرة مع المسؤولين المعنيين في سوريا، التي جاءها من السعودية وعبرها، ولبنان الذي وصله من القاهرة وعبرها، محاولاً التحقق إذا ما كان المناخ السائد يسمح له بأي تحرك يحد من التدهور أو يوقفه، تمهيداً للتفكير بالخطوة التالية الممكنة.
لماذا إذن هذا القصف المدفعي على »مبادرة« لما تكتمل ولادتها، وعلى الجامعة العربية بشخص أمينها العام، وهي عاطفياً ونظرياً على الأقل الجهة المطالبة بالتحرك لمعالجة أي إشكال ينشأ بين أي طرفين عربيين، قبل أن يتحول إلى أزمة وقبل أن تجر الأزمة إلى تدخل »الأجنبي« الذي يسعى جاهداً لأن يلغي أي إطار مشترك يجمع بين العرب، حتى لو كان من طبيعة معنوية، بحيث تتحول »الدول« أعظمها نفوذاً فمن يليها إلى المرجعية الوحيدة للعرب مشرقاً ومغرباً، وفي كل شؤونهم السياسية والاقتصادية والتربوية والثقافية والأزياء والمأكل والمشرب وصولاً إلى لعب الأطفال!
فالجامعة العربية بلسان أمينها العام بالذات تصرفت وكأنها قد أصيبت بالتفجير الآثم الذي أودى بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصحبه (وهي بالفعل قد أصيبت فتصدع جمعها).
ثم ان الأمين العام أظهر عاطفته الشخصية الصادقة منذ اللحظة الأولى، ولعله قد بالغ في إدانة المحرضين والمخططين والمنفذين لهذه الجريمة المهولة… وكان صادقاً في وقوفه مع أسرة الشهيد يتقبل العزاء فيه كصديق كبير وحميم.
ولم يصدر عن الجامعة العربية وأمينها العام ما يوحي ولو من بعيد بأنها تعترض على التوجه إلى مجلس الأمن، وإلى المطالبة بلجنة التحقيق الدولية، بل هي أعلنت موافقتها على كل ما صدر عن مجلس الأمن، ولم تبد أية ملاحظة سلبية على مسار التحقيق أو على التقرير الأول ثم الثاني لهذه اللجنة.
أما تدهور العلاقات بين بلدين شقيقين مثل لبنان وسوريا فإنه يعني الجامعة العربية بالتأكيد، بل انه يتصل بمعنى وجودها، ومن واجبها بالبداهة أن تهتم بمحاولة رأب الصدع، دون أن يعني ذلك الانحياز أو محاباة أي طرف على حساب الآخر، بل ان مبادرتها لو أنها تمت فستكون وجهتها بالضرورة، محاولة وقف الغلط، والضغط معنوياً على الطرف المخطئ بالتراجع عن غلطه والعودة إلى فيء المصالح المشتركة، وعدم إتاحة الفرصة للعدو الإسرائيلي خصوصاً، ولدول التدخل الأجنبي عموماً، أن تفيد من هذا الغلط لكي توسع الخرق بالتحريض والدس وإثارة الريب بحيث تصبح هي »المرجعية«… فتأخذ العرب إلى الجحيم!
أغرب ما في هذه الحملة أن مطلقيها يرون في مبادرة الجامعة لو كانت لها مبادرة شغباً على »التدويل« الذي يتوقعون منه أن يحقق لهم بعدالته! الانتقام من القتلة والمحرضين!
هل بات جون بولتون الإسرائيلي الهوى والموقف أحرص على لبنان، بالذات، ومن ثم على سائر العرب، من عمرو موسى؟!
هل باتت إدارة جورج بوش، بكل يمينها المحافظ، وطوني بلير وحتى جاك شيراك، أحرص على لبنان (ومن ضمنه الحرص على الاقتصاص من قتلة رفيق الحريري) من الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس المصري محمد حسني مبارك ومعهما الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى؟
أم أن الجامعة العربية باتت عبئاً على الذين انقلبوا على العروبة حتى كادوا يخرجون منها وعليها، فباتوا يرفضون وجودها ذاته لأنه قد يقيد اندفاعهم الذي يأخذهم بعيداً عن واقعهم بكل حقائقه التي لا تزول إذا ما هم أنكروها!
مَن قال إن عمرو موسى لا يقوم بدوره كما ينبغي؟
ها هو ينال وسامين في أسبوع واحد: الأول »خليجي« العنوان كاد يتورط في الدفاع عن إسرائيل النووية، والثاني من الذين يتوهمون أن التدويل هو طريق الخلاص للبنان في حين أنه الجحيم الذي يتهدد هذا البلد الجميل بالتفكك عبر حرب أهلية لا تنتهي!

Exit mobile version