طلال سلمان

خطا سوري لا يسقط صفة عدو عن اسرائيل

حسم المجلس النيابي الأمر وأعلن رفضه الأسلوب غير المألوف الذي لجأت إليه السلطات السورية في تعاملها مع بعض القوى السياسية في لبنان التي كانت في موقع الحليف الأقوى والأقرب إليها وانقلبت إلى موقع الخصم الأشرس، في لحظة تاريخية حاسمة.
فالعلاقات اللبنانية السورية التي تشهد الآن حالة اعتلال جدية لا تعالج بالتدابير البوليسية… بل إن هذا هو بالضبط الوجه الآخر للاعتماد شبه المطلق على الأجهزة الأمنية في رعاية تلك العلاقات أيام ازدهارها، والتي كانت تفتح الباب لفرصة تاريخية من أجل استيلاد النموذج لإرساء التكامل الطبيعي بين البلدين الشقيقين على أسس راسخة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وفي نهاية المطاف أمنياً.
بالمصادفة القدرية فإن هذا الموقف النيابي السابقة جاء متزامناً مع مناسبتين بالغتي الدلالة والتأثير على هوية لبنان والموقف المؤكد لهذه الهوية:
المناسبة الأولى أنه جاء متزامناً مع الجريمة التي نفذتها المخابرات الإسرائيلية في قلب مدينة صيدا باغتيال المجاهدين الشقيقين محمود ونضال المجذوب، يوم الجمعة الماضي، ثم ما كان من رد على الجريمة ومن ثم على الغارات الجوية وعمليات القصف التي طاولت الخط الأزرق جميعاً ولامست الحدود السورية.
المناسبة الثانية أنه جاء متزامناً مع الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي، الذي كلما مرّت السنوات على غيابه ازداد توهجاً باعتباره قائداً وطنياً عربياً كبيراً، لا ينقص من قيمته أن يكون الانقلاب الذي تم في لبنان والذي يتحمل مسؤوليته أيضاً الاعتماد على الأمن في معالجة السياسة قد عفا عمن أدينوا في تلك الجريمة الشنعاء التي أودت بحياة واحد من قلّة قليلة من رجال الدولة في لبنان.
ولقد كان فظاً ومستفزاً ذلك الموقف الذي جهر به أمس المتهم بل المدان الأول في جريمة اغتيال الرئيس رشيد كرامي، حين اعتبر الرد على جريمة اغتيال المجاهديْن المجذوب في صيدا تجاوزاً خطيراً، ثم أفاض فقال: تصوروا لو أن الرد على جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري تم بإطلاق الصواريخ على سوريا التي اتهمها البعض بالمسؤولية.
ولقد كان طبيعياً أن يستذكر الناس العلاقة الحميمة التي ربطت هذا المدان قضائياً والمعفو عنه بقرار سياسي، مع العدو الإسرائيلي لفترة طويلة، توحي بعض الدلالات وكأنها مستمرة حتى اليوم.
وبغض النظر عن حجم الخطأ في التشبيه وحجم الخطيئة في الاستنتاج فإن هذا المنطق من شأنه أن يدمر لبنان المستقبل.
فلا يكفي الخلاف السياسي مع النظام القائم في سوريا ذريعة لإسقاط صفة العدو عن العدو الإسرائيلي.
لم تصبح سوريا بلداً شقيقاً بسبب طبيعة الحكم فيها، ولا إسرائيل اكتسبت صفة العدو بسبب سيطرة اليمين على حكومتها بدلاً من اليسار … مع الإشارة إلى أنه من الصعب أن نفهم كيف يكون العنصري يساريا؟!
ومن يستعد وقائع مرفوضة من أداء الإدارة السورية في لبنان كان يقبلها من قبل، ويستفد منها، بل وكان في بعض الحالات يطلبها ويغري من في دمشق (أو في عنجر) بارتكابها بذريعة انها تخدم مصالحها (عبره) لا يمكنه أن يقنع الناس اليوم بأنه كان ضحية الهيمنة وأنه إنما قبل بالوصاية مكرهاً.
إن العلاقة بين لبنان وسوريا أساسية وحيوية ومؤثرة على الحاضر والمستقبل بما يفرض أن تعالج من خارج الغلّ الشخصي والمصلحة الشخصية والاتجار بدماء الشهداء.. أو الانتقام من الذين يحمَّلون المسؤولية عن الطرد من جنّة لبنان ، بينما هم أضعف من ذلك بكثير.
وهذا المنطق يصلح قاعدة للتصحيح في لبنان.. وفي سوريا أيضاً.

Exit mobile version