طلال سلمان

حوار مبتور مع الأقلام الكويتية إسقاط الطاغية لا يبرر الاحتلال… والشريك الوحيد لجورج بوش هو إسرائيل

قبل أيام، طُلب إليّ ان أشارك في برنامج حواري يقدمه تلفزيون الكويت كان يستضيف وزير الاعلام الكويتي الشيخ احمد الفهد الصباح، والى جانبه كما تبينت في ما بعد وزير اعلام دولة الامارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، ووزير اعلام دولة البحرين »الزميل« السابق نبيل الحمر، فضلا عن عدد من الضيوف وبعض من دعوا انفسهم الى المشاركة فأدلوا بآرائهم متطوعين.
من أسف انني كنت بعيدا عن بيروت، فلم استطع المتابعة على الشاشة، ولم أسمع المناقشات الاولى إلا لاحقا… وحين جاء دوري للاجابة عن اسئلة محددة وعبر الهاتف فوجئت بنبرة غير محايدة تحاول الزامي بموقع دفاعي، وكأن رفضي للاحتلال الاميركي للعراق يصنفني وبغير نقاش في خانة مناصري صدام حسين ونظامه الديكتاتوري البشع.
من أسف ايضا، انني احسست في لهجة المذيع نبرة زهو بانتصار العدوان الاميركي وكأن غايته الاولى والأخيرة هي اسقاط صدام حسين الذي كان قد ارتكب بين اخطائه السياسية القاتلة جريمة غزو الكويت في آب 1990، وهو الخطأ التاريخي الذي أدانته الاكثرية الساحقة من العرب، والذي كان مقدمة لسلسلة من الكوارث التي أصابت الامة في صميمها، فشرذمت دولها، وجاءت بالقوات الاجنبية الى المنطقة في ثياب »المحرر« وشوهت الشعار القومي ودمرت الحلم بتنامي التعاون في اتجاه التكامل بين الدول العربية… الخ.
وبرغم تفهمي العميق للمرارة المترسبة في نفوس الكويتيين تجاه نظام صدام حسين، نتيجة ما ألحقه من اذى ومن دمار ومن تخريب في الكويت، ومن تشريد بالكويتيين، ومن احتجاز مئات من الاسرى الذين ما زال مصيرهم مجهولا حتى الساعة (مع التمني بأن يتم العثور عليهم في اي من المعتقلات العديدة الذين كان يحجز فيها جلاوزة النظام معارضيهم.. وعلى الشبهة)..
مع تفهمي العميق لذلك كله فقد كان طبيعيا ان أرفض ان يُفرض عليّ موقف لا يمكن قبوله وهو ان نوحد بين العراق شعبا ودولة، تاريخا وحضارة ودورا، وبين الطاغية صدام حسين.
ربما لهذا تبدت لهجتي في بعض الردود حادة نسبيا ولكن همي كان منصرفا الى التوكيد على مجموعة ثوابت منها:
{ ان اسقاط الطاغية صدام حسين لا يبرر الاحتلال ولا يبدل توصيفه البديهي والعملي والقانوني ايضا. انه احتلال وبالقوة العسكرية (الاجنبية) لدولة عربية كبرى.
{ ان هذا الاحتلال يمثل ويجسد هزيمة عربية مريعة، وليس من طرف عربي بين المنتصرين، فلا يمكن ان تكون الهزيمة العربية مصدرا لنصر كويتي.
انه نصر اميركي خالص وساحق يتجاوز بدلالاته وأبعاده العراق، على اهميته، ولكل عربي نصيب في هذه »الهزيمة« العراقية بعنوانها، والتي ستلقي بظلالها السوداء على مستقبل العرب في كل أرضهم: ككيانات سياسية، وكشعوب، وكموارد طبيعية، وكأحلام وأمنيات تتصل بتصورهم لغدهم الافضل.
{ من المكابرة وربما ما هو افظع ان ننظر الى الاحتلال وكأنه »ولاّدة« الديموقراطية او »حاضنة« الوحدة الوطنية في العراق.
{ ومن المكابرة ايضا ان نفترض ان هذا الاحتلال لن يمد »ظلاله« السوداء الى المحيط العراقي كله… وها هو قبل ان يكمل سيطرته على الاراضي العراقية، قد رفع من وتيرة التهديد ضد سوريا فتوالت الانذارات بالعقوبات والمطالبة بضرورة الامتناع عن ايواء الهاربين من العراق، وطرد مكاتب المنظمات الفلسطينية التي تدعو الى مقاومة الاحتلال في فلسطين، و»تسريح« رجال المقاومة المنتظمين في »حزب الله«… الخ.
ولقد نختلف في التحليل او في المسلك السياسي مع بعض التنظيمات القائلة بالكفاح المسلح، لكن ذلك لا يُسقط عن مجاهديها، أحياء وشهداء، صفات البطولة والإقدام على مواجهة غير متكافئة مع قوى الاحتلال بهدف التحرير.
{ ومن المكابرة وقلة الفطنة ايضا ألا نرى المصالح الاسرائيلية الاستراتيجية في هذا الاحتلال الاميركي للعراق.
ان الادارة الاميركية لا تنفي عن اركانها ارتباطهم الوثيق بأعتى قادة التطرف العنصري الصهيوني، كالسفاح ارييل شارون، والقاتل بنيامين نتنياهو.
كما ان قادة الرأي الاميركيين انفسهم فضحوا ويفضحون يوميا وعلنا التأثيرات الاسرائيلية المباشرة على خطة الاحتلال الاميركي للعراق، والفوائد الهائلة (سياسيا واقتصاديا) التي سوف تجنيها اسرائيل، وبينها »الصلح« الذي سيُفرض على حكم ما بعد الاحتلال ان يوقعه معها، وخط الأنابيب الحاملة للنفط من حقوله العراقية الى المصفاة الاسرائيلية في حيفا… وهذه مجرد عينات.
هذا من غير ان ننسى شطب العراق من خريطة الصراع العربي الاسرائيلي، بكل ما يلحقه هذا الشطب من اذى بالقضية الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني الذي لم يتبق له من سلاح غير دمه لاستنقاذ الحد الادنى من الادنى في »بعض« حقوقه في »بعض« ارضه.
ان اسرائيل كامنة في مشروع الاحتلال وفي خطته وفي تطبيقاته على الارض، وفي النتائج السياسية المتوقعة (بل المرسومة) لهذا الاحتلال.
ولا يمكن ان نصدق ان للكويت مصلحة في مثل النصر الذي تحقق للاميركيين (ومعهم الاسرائيليون) بدماء العراقيين، او في الهزيمة التي مُني بها »العرب« على امتداد ارضهم والتي ستحكم نتائجها وتتحكم بصورة مستقبلهم، الى حد كبير.
ليس الكويتيون شركاء بأي حال، اما الاسرائيليون فشركاء قبل الطلقة الاولى وبعدها.. ومرة اخرى بمعزل عن الرأي بالطاغية الذي أذلّ شعبه وكسره فسهل امر سقوط العراق امام المحتلين، بل كاد يبرره.
***
بعد الندوة تطوع من يبلغني ان ردودا منسقة مع ما قلته سيتوالى نشرها في وسائل الاعلام الكويتية. وتوهمت للحظة انها قد تكون فرصة طيبة لاطلاق حوار فكري سياسي شامل حول الحدث الجلل الذي وقع، بعيدا عن الاحقاد الرخيصة، كالشماتة او التشهير الشخصي، وبعيدا عن الانفعالات الحادة الناجمة عن الاحساس العام بالفجيعة لغياب »العرب« كقوة تأثير او حتى كأصحاب رأي.
لكن الردود قد جاءت بمجملها، ومع الأسف، »شخصية«، ومجتزأة، بمعنى انها ركزت على كلمة او جملة، خارج سياقها، كمدخل لشن حملة تسفيه مستغربة.
اكثر ما أخذه بعض الزملاء الكويتيين عليّ انني وصفت اولئك الذين خرجوا الى شوارع بغداد فنهبوا وسرقوا وحطموا الممتلكات العامة والخاصة، واستباحوا المتحف وكنوزه التاريخية النادرة فكسروا القليل منها بينما أفترض ان الأعرق والاغلى دلالة والأعظم قيمة منها انما »اختُطف« بقرار… ولعل كنوز ذلك المتحف المغدور قد باتت الآن موزعة بالعدل والقسطاس بين المتاحف الاميركية والمتاحف الاسرائيلية.
يشهد على كلامي هذا ما قالته نائبة مدير المتحف العراقي حين دخلت ورأت الدمار الذي حل بالآثار… اذ صرحت مفجوعة: ان المجرم الحقيقي في ما حصل ليس هؤلاء الرعاع، وانما هم الاميركيون.
هنا عينات من الردود، وبينها صادر عن صديق، وكنا نتمنى لو انها تجاوزت العارض من التعليقات الفورية كي تساعد على فتح الحوار الضروري والذي نحتاج اليه جميعا، عله يساعدنا على اكتشاف الطريق للخروج من هذه الكارثة القومية… خصوصا أننا تعودنا من الزملاء الكويتيين مساهمات جدية في اقتراح الحلول للمشكلات العربية، بغير استعلاء »الاقوى« او استكبار »الأغنى« او تشاوف »العنصري« الذي يرى نفسه ارقى من ان يكون عربيا ويأخذ على ربه انه لم يخلقه اميركيا!
***
ملاحظة أخيرة: لأننا نحترم شعب العراق وتاريخه العريق ونضالاته المجيدة، فقد اعتبرنا ان ما جرى في شوارع بغداد من نهب وسلب وتدمير للمؤسسات واعتداء على موروثات الحضارة الانسانية، من تدبير الاحتلال و»رعاعه«، وانه كان »امر عمليات« اميركيا لتشويه صورة العراق والعراقيين.

Exit mobile version