طلال سلمان

حوار ما بعد احراج

بقدر ما »تجاهلت« بكركي في نداء مجلس المطارنة الموارنة، امس الاول، الدولة ومؤسساتها الشرعية، وأساساً رئاسة الجمهورية والعماد اميل لحود، وطرحت المشكلات جميعاً بصيغة ملتفة وغامضة وتحت عنوان »مجهول«: »الى من يعنيهم الأمر في لبنان وخارجه«.
.. كذلك فعلت رئاسة الجمهورية في البيان الذي أصدرته أمس جواباً على »النداء«، مركزة في ردها على ما قاله الذين نزلوا الى الشوارع وطلعوا الى الجبال، وهتفوا ضد »الرئيس« وضد الوجود السوري، وحاولوا غسل أيديهم من آثار الحروب التي خاضوها، ولا سيما داخل طائفتهم، و»أخطأوا بحق الوطن في حين ان الدولة لم تخطئ بحقهم«، ليخلص البيان الى تحذير هؤلاء من التلاعب بالأمن..
اذاً، لا »النداء« وصل الى عنوانه الصحيح بعد،
ولا الرد وصل الى المرجعية التي تفترض انها حاولت سحب الموضوع من الشارع وتولت »القيادة« هاتفة بالجميع: »الامر لي«، وانا »المحاور« الشرعي الوحيد!
البعض يرى ان »النداء« الذي أملاه أو صاغه بل نقشه البطريرك صفير بخط يده، انما هو أقرب لأن يكون »رسالة مفتوحة الى الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد«، وانه انما يريد جواباً منه وليس من أحد آخر، بالنيابة أو بالوكالة، صحيحة كانت أو مدعاة.
هل قصد البطريرك صفير، فعلاً، وكما يقول عارفوه، ان يسحب المواضيع المتفجرة من الشارع، وأن ينهي الجدل من حولها وخصوصاً انه يفضح حالة التفسخ والضياع وصراع الزعامات والمعارك على الإرث بين الاخوة والزوجات والاصهار والأبناء والأحفاد، فهؤلاء قد ضيعوا البلاد مرة، ويمكنهم ومن أجل أهوائهم وأغراضهم الشخصية وتطلعهم الى المنافع والمناصب ان يضيعوها مرة ثانية وثالثة… ولا مجال لتركهم يعبثون بالبلاد، فلا أحد يريد ان يحارب مجدداً، والخيار الوحيد المتاح أمام الشباب هو المطار أو المرفأ؟!
إذا كان ذلك صحيحاً فلماذا قفز من فوق الشرعية ورموزها في لبنان، ولا سيما رئيس الجمهورية؟!
هل لانه جرب ونال وعوداً كثيرة ولكن شيئاً مما طلبه أو مما وُعد به لم يتحقق لا في الشؤون المحلية ولا في السياسات والاستراتيجيات، كما يقول عارفوه؟
هل لأنه يعتبر انه لا يستشار ولا يؤخذ برأيه اذا ما سئل، بينما هو المدافع الأول والأبرز عن اتفاق الطائف وعن النظام الجديد ومن ثم عن رموزه؟!
وكيف يمكن ان ينتظم الحوار اذا كانت الرسائل تتطاير من فوق رؤوس المعنيين بها، أو تتجاهلهم وهي تعبرهم لتصل الى مقصدها خارجهم؟!
وهل المطلوب هو حوار بين الطوائف، ممثلة بمراجعها الروحية، فيرد المشايخ على المطارنة، وباسم الولاء للدولة وكأن الآخرين خصومها أو خارجها حتى لا نقول بالخروج عليها؟
ومن هي المراجع والقوى والأطراف التي اطلقت أو يمكن ان تطلق مواقف تعبر عن »مناخ الحوار الوطني الحقيقي«؟!
لعل بكركي قد ترى، كما يرى غيرها، ان الحكم قد استُدرج فتورط في اشتباكات خاسرة مع الطوائف الأخرى، فاضطر الى التراجع أمام »قياداتها« خصوصاً بعدما زكتهم الانتخابات فجعلت كلا منهم وكأنه »الممثل الشرعي والوحيد« لطائفته.
ان مناصري بكركي يقارنون أنفسهم بأمثالهم في الطوائف الأخرى، فيرون ان السلطة قد »هُزمت« أمام »الدروز« بقيادة وليد جنبلاط، وأمام »السنة« بقيادة رفيق الحريري… فضلاً عن ان ثمة من يقول انها سبق لها ان »هُزمت« فتراجعت أمام »الشيعة« بقيادة نبيه بري، سواء في موضوع الاصلاح الاداري أو فتح الملفات أو التعيينات الخ…
وإذا كان صحيحاً ان حصانة »المرجع« الأول والأساسي قد اهتزّت أمام الآخرين فكيف لا تهتز أمام الطائفة التي ترى نفسها معنية أكثر من غيرها، وانها قد تحملت وتتحمل من الخسائر فوق ما تحمل الآخرون، وخصوصاً ان خسائرهم اذا ما وقعت تكون من أرباحهم بينما خسائرها من رأس المال، على حد ما يقولون…
***
كيف السبيل لأن تصل الرسائل الى عناوينها الصحيحة فاتحة باب الحوار؟!
وكيف يمكن مباشرة الحوار حول مختلف المسائل اذا ما ظل الخلط قائماً بين العدو الاسرائيلي وبين الصديق والشقيق، واذا ما ظلت هموم »المتعامل« تتقدم على المشكلات الحياتية للمواطنين جميعاً، من كان منهم في الشريط المحتل أم في لبنان المحرر.. ولم »يتعامل«؟!
وكيف يمكن طرح مسألة تنظيم الوجود السوري طالما استحال الحوار الوطني الحقيقي في الداخل، وبين أهل الطائف أولاً، وحول أبسط المسائل، وفيهم البطريرك والمطارنة والمشايخ جميعاً، وفيهم أهل السلطة جميعاً، في الرئاسات والمؤسسات الدستورية جميعاً (المجلس النيابي، الحكومة، القوى السياسية وبطبيعة الحال الأجهزة التنفيذية، والأمنية منها على وجه الخصوص)؟!
ان تشكيل حكومة جديدة كاد يُدخل أهل الطائف، ولعله ما زال يهدد بإدخالهم، في »حروب«، ليس أبسطها التكليف، ولا الاستشارات الملزمة، هذا قبل ان نصل الى التشكيل وهل يكون على قاعدة الوفاق أو المصالحة أو الانسجام التام؟!
لا حوار صحياً في ظل مناخ غير صحي.
ولا حوار حقيقياً في ظل »ظاهر« و»باطن«، أي في ظل مواقف معلنة بجميل الكلام بينما المضمر الكيد والافشال والانتقام المدمر!
فلنفترض اذاً أن هذه الرسائل غير المباشرة التي تم توجيهها الى غير عناوينها الصحيحة، قد تفتح الباب لسؤال من نوع: هل كنت تقصدني؟! ولجواب من نوع: لم أكن أقصد ان أتجاهلك، لكنني ما أردت إحراجك.
فلنفترض ان الحوار يمكن ان يبدأ مما بعد الإحراج.
ولكن أحداً ما يجب ان يبدأ الخطوة الأولى..
فهل تكون الحكومة الجديدة هي أرض الحوار واللقاء عند العنوان الصحيح؟!
اللبنانيون الذين لا يريدون ان يهربوا من مناخ الحرب، أو من ضيق اليد، الى المهاجر البعيدة، أو الى اليأس الأبعد، يتمنون ذلك!

Exit mobile version