طلال سلمان

حوار لمواجهة تحديات المستقبل والبحث عن الاجوبة

كلمة رئيس التحرير
طلال سلمان
في حفل افتتاح الندوة:
حوار لمواجهة
تحديات المستقبل والبحث عن الأجوبة
****
ممثل السيد رئيس الجمهورية، السيد رئيس مجلس الوزراء، شريكنا في القلق الفكري وفي مجد الكلمة الدكتور سليم الحص
السيد الرئيس الياس الهراوي
السيد الرئيس المجاهد، مفجِّر ثورة الفاتح من نوفمبر في الجزائر أحمد بن بلة
السيد الزميل وزير إعداد التراب الوطني والبيئة والإسكان عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي في المغرب محمد اليازغي
صاحبة الصوت الصارخ في البرية، النائب سابقاً في البرلمان الأردني، السيدة توجان الفيصل
السادة الوزراء والنواب
السادة العلماء الأجلاء
السادة السفراء ورجال السلك الدبلوماسي
أيها الزملاء، أيها الأصدقاء
يُزهر العمل ربيعاً جديداً، يمتد الربيع بالجهد عمراً فارداً ظلال الأمل فوق ليل الحروب والمحن، ويشتد عود »السفير« برعاية الشوق المعلن إلى الديموقراطية، إلى حرية الرأي، إلى حق الاختلاف، إلى الكلمة التي كانها في البدء.. فيكون معكم وبكم هذا العيد الفضي.
نعرف أنه ليس زمن الأعياد والتباهي بما حققنا، مجتمعين ومنفردين، من إنجاز في ظل مناخ التراجع والضياع واهتزاز الثقة بالنفس وافتقاد اليقين، وإن كان صعباً أن نهجر ذكريات الزمن الجميل.
لكننا نعرف أننا نحتاج إلى التلاقي، وإلى التفكير معاً، وإلى الحوار الصريح حول كيف يكون لنا مستقبل، أو كيف نبقى في الزمن فلا نَخرج أو نُخرج منه.
وفي بيروت، أرض الحوار وولاّدة الرؤى وحاضنة الأفكار، نلتقي، بعد افتراق كاد يصير غربة، لنواجه تحدي البقاء معاً ودائماً.
وها هي بيروت، نوّارة الثقافة العربية، وجرح الشهيد المقاوم، تستقبلنا بعاطفة الأم وتحاسبنا بحق نضالها من أجل حقها في الحياة وفي الانتماء: أين أنتم من أهلكم؟ من رسالتكم؟ من غدكم؟!
منذ دهر لم نتلاقَ كصحافيين وإعلاميين من مشرق الوطن العربي ومن مغربه، حول دورنا. فمَن عطّل هذا الدور، بل ماذا كان دورنا؟ كنا نتقابل في المطارات، أو في قاعات المؤتمرات، لساعات أو ليوم، مشغولين عن مهمتنا بتفاصيل مهنتنا، فنتشاكى ونتواعد ثم يعز التلاقي المفتوح لحوار جدي ومجدٍ… ثم نفترق.
نفترق… وها نحن نلتقي. إذاً: فلنعكس القاعدة، ولنودّع الافتراق.
كنا نتمنى لو استطعنا دعوة ممثلين لكل الصحافة العربية في مختلف أقطارها، لكن ذلك متعذر، كما تعلمون، وكثير ممن كان وعدنا وواعدنا قد اضطر للتخلف بسبب ظروف طارئة أو قاهرة، وكلها أعذار مقبولة من الصحافيين، وليس إلا منهم.
أيها الأصدقاء والزملاء،
وُلدت »السفير« من رحم حرب تشرين أكتوبر التحريرية، التي جاءت تتويجاً لمرحلة النهوض العربي وبداية لمرحلة مختلفة.
لكننا بعد عام واحد كنا نسقط، مع بلدنا وشعبنا والمقاومة الفلسطينية، في أتون الحرب الأهلية، وهي حرب كانت عربية بقدر ما كانت لبنانية، ودولية بقدر ما كانت عربية.
قاومنا بكل طاقتنا على المقاومة حتى لا نصير طرفاً فيها، وتحمّلنا الطعنات والاعتداءات من مختلف المقتتلين. كان علينا أن نحارب الحرب وأبطالها. أن نميت الموت. أن نحيي الحياة والأحياء. أن نحمي العقل من طور الجنون الذي أفسد علينا الماء والهواء. أن نحفظ الورد والفراش وقوس قزح وهمسات عشاق الحياة من الانتحار العبثي.
وها هي صحافة لبنان، بعد الحرب، تحمل جراحاتها أوسمة وتواصل مسيرتها، ولو متعبة، وقد خسرت قدراً من صفاء لغتها ومن كفاءتها كلسان حال الأمة.
لذا نجد أنفسنا، بعد خمس وعشرين سنة طويلة، في مواجهة أسئلة كبرى لا نملك أجوبة قاطعة عنها.. ومنها:
هل قمنا حقاً بما كان يتوجب علينا أن نقوم به؟!
وحتى إذا ما طرحنا الأمس خلفنا بكل آلامه وأحزانه، لبنانياً وعربياً، وحاولنا النسيان، فإن الغد ينتظرنا بمهماته الثقيلة، فهل نحن مؤهلون لمواجهة هذه المسؤولية الخطيرة؟
لقد كان علينا بالأمس، أن نقاتل ضد أنفسنا، ضد غرائزنا، وأن نحتفل بانتصارنا عليها.
وكان علينا، كما قال الرئيس سليم الحص مرة، أن نخترع الأمل، ولقد اخترعناه.
وكان علينا أن نحمي الديموقراطية بالصحافة. كان كل شيء قد تهاوى: رئاسة الجمهورية، بل الجمهورية، الحكومة، المجلس النيابي، الأحزاب والنقابات والاتحادات المهنية، وكنا بلا بلديات.
ولقد ظلت الصحف، برغم الحرب الأهلية، فقاومتها وانتصرت عليها.
وظلت الصحافة برغم الاجتياح الإسرائيلي، قاومته وانتصرت عليه.
كنا وحدنا. نزعم لأنفسنا أننا الناس. وبالناس انتصرنا.
فالديموقراطية بالناس وللناس. العلم بالناس وللناس. الحياة بالناس وللناس. والصحافة بالناس وللناس. إن تأخرنا فقدنا الأهلية في أن نكون المعبّرين عن مجتمعاتنا. نحن الطلائع وعلينا دفع الضريبة.
أيها الأخوة، أيها الأصدقاء،
ثمة من يقول: إنه زمن الانقسام. بل لعله زمن الانشطار، حتى لكأن واحدنا أشتات؛ لكن علينا أن نقاوم.
أما نحن فنقول: إننا نحتاج، كل في موقعه، إلى مراجعة التجربة. نحتاج إلى الحوار حول وجوه الإنجاز كما حول مكامن القصور وعلل الإخفاق.
هل الصحافة صحافتنا؟! هل إعلامنا وسيلة معرفة بالذات وبالآخر؟ هل يضيف إلى عقولنا أم قد يتسبَّب بتعطيلها متجهاً إلى الغرائز والعواطف وتعظيم العدو وتفخيم الأجنبي وتقزيم الذات؟
أين الذاتي بين عيوبنا وأين المتحدّر إلينا من أوضاعنا السياسية وافتقارها إلى النصاب الديموقراطي؟!
لماذا، وقد ملكنا الحرف والمطبعة والتقنية العالية واشترينا أجهزة الكومبيوتر واحتللنا مواقعنا على الأنترنت، وملأنا الفضاء بمحطاتنا، ما نزال نفتقر إلى التأثير، وأحياناً إلى المصداقية؟ وما زلنا ننقل أخبارنا والأرقام عن اقتصادياتنا وزراعتنا ومياهنا، وحتى سياساتنا، عن المصادر الأجنبية: لماذا لا نشكل بمجموع وسائلنا مكتوبة ومرئية ومسموعة شهادة على حيوية الأمة وقدراتها وطموحاتها إلى تحقيق ذاتها.
ها هي بيروت، التي طالما قدّست حق الرأي وحمت حق الاختلاف وحفظت شرف الموقف، تسائلنا: هل عطّلتكم السياسة، أم أخذكم مناخ المساومات والتسويات إلى الصمت أو إلى الغمغمة وأنصاف الجمل وأنصاف الحقائق التي قد تعني نقيضها؟
تسائلنا بيروت:
هل اشتدت عليكم أزماتكم فانشغلتم بها، وواجهتم بارتباك ملحوظ ثورة الاتصالات والمواصلات، فدخلتم في القرية الكونية بتقاليد القبائل والعشائر وآلهة الجاهلية؟!
ليتنا نجيب اليوم عن أسئلة الغد.
لقد أردنا من العيد الفضي ل»السفير«، التي تحمل في صدرها شعارها الرسالة؛ جريدة لبنان في الوطن العربي جريدة الوطن العربي في لبنان، أن يتحول من مناسبة احتفالية خاصة إلى لحظة مواجهة عامة للتحديات المطروحة علينا جميعاً في الحاضر وفي المستقبل.
وإننا إذ نعتز بتلبيتكم دعوتنا للتلاقي في عاصمتكم بيروت، التي تستعيد معكم صوتها وبعض ألقها وأعباء دورها الذي طالما أدّته بجدارة، محققة ما تتوقعونه منها، نريد أن نشترك في همّ البحث عن الأجوبة لهذه الأسئلة المقلقة.
أيها الأصدقاء والزملاء،
علينا، كل من موقعه، مواجهة تحديات العصر مباشرة وبلا إرجاء أو هرب من الحقيقة.
وفي ما يخصنا كرجال صحافة وإعلام لا بد من تبيّن موقعنا، ومن التمهيد لمحاسبة الذات عن التقصير قبل التباهي بالإنجاز.
أين نحن من أنفسنا، وهل ما تزال لنا عبر إعلامنا الذي هو انعكاس مباشر للسياسة هوية جامعة؟ وهل ما تزال تربطنا قضايانا، أم صار لكل قطر قضيته أو قضاياه التي تباعد بينه وبين أشقائه أحياناً، وتجعله في مواجهتهم أحياناً أخرى، وتقرّبه من عدوه وتلجئه إلى الأجنبي طلباً للحماية من ذوي قرباه في بعض الحالات؟
أين نحن من الآخر، من العالم، كيف نتعامل معه وكيف ينظر إلينا؟
وإذا كانت نظرتنا إلى أنفسنا على هذا القدر من البؤس فهل نطلب من الآخر أن يجمّل صورتنا أو أن يحرص علينا أكثر منا؟
ثم أين نحن من عصرنا، هل نحن مؤهلون وقادرون على مواكبة الثورة العلمية واستيعابها وتوظيفها لخدمة حقنا في التقدم؟
وفي ما يتصل بالإعلام والاتصال، حيث التقدم باهر بل ومذهل، إذ أسقط الحدود وتخطى حواجز الأعراق واللغات فارضاً اللغة المهيمنة (فالسياسة هي الأصل، وكل ما تبقى يتبع).. هل استطعنا أن نفيد منها لنقدم عملاً مهنياً أكمل لمواطنينا، ينفعهم في يومهم وفي غدهم، يزيد من وعيهم ومن معلوماتهم ومعارفهم ومن استعدادهم لمواجهة أعباء مستقبلهم؟!
لقد أردنا من هذه الندوة أن تكون مساحة حوار وتفكير بصوت عال، في ما بيننا ومع القراء والمشاهدين العرب، عبر الفضائيات التي أضافت تحديات جديدة إذ تطرح مسألة ساعات البث الهائلة، وبماذا تملأ، وهل أعددنا عدتنا لتوظيف هذه الوسيلة الممتازة حيث يجب، وبمادة تحترم عقولنا وتعزز قدرتنا على الفهم والتحليل؟
أيها الأصدقاء، أيها الزملاء،
يسعدنا أن تكونوا، مرة أخرى، معنا في بيروت؛
بيروت التي كانت وما زالت وستبقى المنتدى الفكري والشارع السياسي العربي والمكتبة والكتاب والمطبعة وصحيفة الصباح، حيث يمكن للتفكير أن يمتد مخترقاً جدران الصمت، وللحوار أن يلامس قضايا الغد بدروس تجربة الأمس والاجتهاد وإعمال العقل وفهم الذات والعالم من حولنا.
شكراً لكل الاخوة والزملاء الذين لبّوا دعوتنا فاكتمل بهم عيدنا،
شكراً للرئيس المجاهد أحمد بن بله وللزميل الذي أخذته منا الوزارة مع التمني بأن يبقى قلمه في يده، محمد اليازغي، شكراً للصوت الديموقراطي المميّز توجان الفيصل.
أما الرئيس الدكتور سليم الحص فله أطيب تمنياتنا في أن ينجح في معركته الصعبة، والتي لا يمكننا مساعدته فيها إلا بمحاولة تقديم الحقائق، بالإضاءة عليها حيناً، وبالنقد حيناً آخر، مقدِّرين إيمانه الثابت بقضية الحرية باعتبارها الطريق الإجباري للتقدم الإنساني، لا سيما في بلداننا التي تفتقدها بقدر ما تفتقد الكثير من حقوقها الوطنية القومية.
أهلاً بكم في بيروت ولاّدة الصحافة العربية، في عيد »السفير«
وإنها ليست إلا الخطوة الأولى،
ليست إلا أول خمس وعشرين سنة فحسب.

Exit mobile version