طلال سلمان

حوار الجدران الخرساء

قال الجدار للجدار: ألا يجدون غيرنا مجالاً للتعبير عن إيمانهم بالديموقراطية؟! أفقت ليلاً على من يمزق صدري بسكين لأنه يكره صورة من ألصقوه فوقي.
رد الجدار على الجدار: أما أنا فقد اشترى صاحب الصورة السكين وحاملها.
* * *
قال الجدار للجدار: هل أسعدك فوز من تحمل على ظهرك؟
رد الجدار على الجدار: وكيف لي ان اعرفه من قفاه؟ ومن أين تأتيني السعادة ما دمت تحت الاحتلال، بعد؟
* * *
قال الجدار للجدار: هل جماعتك من المعارضين أم من الموالين؟
رد الجدار على الجدار: حديثهم حديث معارضة، لكن عيونهم تتطلع الى أصحاب السلطة بانكسار »الموالي«.
* * *
قال الجدار للجدار: هل أعجبتك نتائج انتخابات الجبل؟
رد الجدار على الجدار: وهل تحسبني غبياً مثلك، أنتظر الصحيفة لأعرف الفائزين؟ لقد استخدمت أذني فعرفت منذ اليوم الأول، لكنني بفطنتي تجاهلت حتى قيل إني جاهل.
* * *
قال الجدار للجدار: هل بلغك انهم الآن يؤجروننا بالدولار؟
رد الجدار على الجدار: نحن في الحالين مسخرون، وحلال الدولارات على من باع الفراغ لمن يعتبر نفسه مالئ الدنيا وشاغل الناس.
* * *
قال الجدار للجدار: مرّ بي ناخب عصبي، فلم يكتف بالشتيمة بل إنه رفس الصورة بقدمه.
رد الجدار على الجدار: ممارسة الديموقراطية تؤلم أحياناً.
* * *
قال الجدار للجدار: التقى فوق صفحتي ثلاثة من اصحاب المصارف، دفعة واحدة.
رد الجدار على الجدار: تبدو مبتهجاً وكأنك رابعهم! الديموقراطية مكلفة في هذا البلد الغالي.. ألم تسمع اغنية »بيروت يا غالية«؟
* * *
قال الجدار للجدار: وقعت عليّ أمس صورة كانت معلقة على العمود القريب فتركت ندباً على صفحة وجهي.
رد الجدار على الجدار: غيرنا يتمتع بخيرات الديموقراطية، ونحن ندفع ضريبتها صاغرين.
* * *
قال الجدار للجدار: هنيئاً لأشقائنا في الجبل، لقد ارتاحوا.
رد الجدار على الجدار: بل يا لبؤسهم، انهم الآن موضع السخرية والهزء، فكلما مر بهم ناخب لم يحالف الحظ مرشحه توجه »بالتحية« الى صورته مرة وإلى صورة خصومه الفائزين »بتحيتين«، ألم أقل لك إننا وحدنا من يدفع ضريبة الديموقراطية.
* * *
قال الجدار للجدار: أما اشقاؤنا في الشمال فأحمالهم ثقيلة.. اكثر من خمس لوائح، وفي كل لائحة أكثر من عشرين مرشحاً.
رد الجدار على الجدار: لا جدران تكفي الديموقراطية في الشمال، اظنهم سيعرضون صوراً فوق صفحة البحر او في قبة السماء.
* * *
قال الجدار للجدار: استطيع ان أسمّي لك المنافقين بالترتيب من خلال أحجام الصور التي رفعوها لمرشحيهم الأثيرين.
رد الجدار على الجدار: كل صورة تنافق للأكبر منها، من يكبر الصورة يكبر الفاتورة، والصور ليست تسديداً لحساب قديم، انها تفتح حساباً جديداً.
* * *
قال الجدار للجدار: صور، صور، صور.. هل الناخب أمي لا يقرأ؟
رد الجدار على الجدار: تحتاج الديموقراطية في لبنان الى اعمى وأبكم وبينهما جدار تعلق عليه الكفاءات الفائضة عن حاجة »اللعبة« واللاعبين.

 

غد يسافر إلى غده

مثل نجمتين..
يسافر الغد الى غده ممتطياً صهوة الفجر والعزيمة.
في الخلف، الليل يدلف الى كهفه مهزوماً، أمام الإرادة المتوثبة لاصطناع النهار الجديد.
ليست المسافة قياساً للبعد، وليست العاطفة أسرع وسائل الاتصال.
الفكرة هي المدى المفتوح للتلاقي بين الأزمنة والعقول.
الفكرة فضاء التحدّي: نكبر بها ونكبر معها، ونعطيها عرق الجبين وسهر العينين، فتعطينا اسماءنا الجديدة حتى الإبهار.
مثل نجمتين..
يسابق النورُ النورَ، ثم يتوحد النوران أفقاً ومعراجاً الى المستقبل.
اليوم في بعض أرضنا وقت باهت، يمر فلا يغير فينا شيئاً ولا نغير فيه. اليوم سكون مستفز، والسكون تقهقر، لكأننا نبتعد مع ساعاته عن العالم بدلاً من ان نصير في قلبه، لكأنه يأخذنا في رحلة عكس الزمن.
لا نستطيع ان نوقف دوران الأرض. لا نستطيع ان نتخلف عن موعد الشمس. فلنتسلق الشعاع، المهم ان ندخل الفلك.
مثل نجمتين..
نوسع الخطى الى موعدنا مع الصعب.
ليس في القعر إلا الهوان، ليس في السهولة إلا الرداءة والعبث.
مثل نجمتين..
يسافر الحلم الى حلمه، ونبقى على ارصفة السهر نتلهف على لحظة الميلاد الجديد.
مثل نجمتين..
تقول لك: احمل أحلامك واتبعها،
وتقول لها: احملي أحلامك واسبقيها.
وتقول فتقول: بل تحملنا احلامنا وتسابقنا فنسبقها.
وتقول فتقول: حامل الأحلام لا يتعب.
مثل نجمتين..
المسار والمدار، وبينهما أجرام صغيرة تدور على ذاتها، تختصر السنين بالأمل، وتطعم الأمل من أعمارها حتى يتجدد اللقاء.
مثل نجمتين..
الخيار والقرار، وفي الفجوة المظلمة تعشش الحيرة لتغتال الضوء.
من تردد سقط، ومن ضعف تاه، ومن نسي اسمه اندثر.
مثل نجمتين..
والارتفاع ليس ابتعاداً، الطموح ليس »تحت«. كيف يكون النزول وصولاً؟
أفق الفجر ضباب، سرعان ما يغتسل بالنور، فإذا الدرب واضحة لا تضيع من أقدام العائدين ليكونوا صبح المحبين.
مثل نجمتين..
يحف بموكبهما الحب، يمشي في ركابهما الحب، يملأ ايامهما الحب، ويهديهما الحب الى مهجع الحلم الذي يتجاوز المسافة، ويمتد سلسبيلاً بين العناقيد.
مثل نجمتين..
كيف يحزن من يستوطن العين والخاطر والمهجة والنبض المنتشي بوعد العودة.

 

هل لنا أن نتعارف من جديد؟

الى متى نستمر في هذه اللعبة المرهقة: أتقمصك فأحكي لك عنك، وتتلبسينني فتقولين لي ما يفترض ان تسمعيه مني؟!
كلما هممتُ بالقول أعدته إلي من قبل ان أنطق.
وعندما تقولين تنسين نفسكِ ولا تتذكرين غيري.
لسنا واحداً، وليس اي منا الآخر، يجب ان ينتهي الالتباس. لا بد من ان تدوي لحظة الحقيقة ليعرف كل منا الآخر كي يعرف نفسه.
هل لنا ان نتعارف من جديد؟
لستُ الشباب ولستِ الكهولة. لستُ الآتي الى غد ولستِ المقيدة بالأمس. عيناي مغلقتان بعتمة التجربة القاصرة، ولك الشمس تلتمع على سن القلم وتشع أفكاراً وآمالاً ورؤى جديدة.
بيني وبينك نهر المعرفة وأنا لا اعرف السباحة.
بيني وبينك الدنيا التي لم أرَ منها إلا أقلها ولم أعرف عنها إلا الأحرف الأولى.. أما انت فتقرئين القارات الخمس والبحور والمحيطات والقطبين.
بيني وبينك عجزي عن ان اكون الا ما كنته، اي هذا الذي لا يرضيني حين يعجبك بعضه، ويحزنني افتراضك أنك قد ترضين لو كنته كله.
بيني وبينك رماد القصور. ذراعي قصيرة لا تطال الشمس، وعيني كليلة لا تعرف ما بعد الباب، وخيالي منتهك بصور الواقع، مهيض الجناح بالخوف؛ إن هو همّ بالانطلاق، قمعته بقسوة واختبأت في فراش السلامة أتململ فوق شوك الذل.
لم أكن املك ان اقرر ما أكون.
اخذتني المصادفة الى الزمان والمكان والموقع والأبجدية.
هل تتركني إرادتك فريسة المصادفة حتى لا تواجهي الصعوبة الممتعة للخيار؟
تسحقين قرارك بالدموع، ثم تتلطين وراء شعورك بالقهر لأنك لم تكوني انت.
تهربين من »الآخرين« الى زاوية معتمة ثم تنعين على قدرك انه حرمك النور.
الجحيم هو الآخرون؟! لكن النعيم ايضاً هو الآخرون.
يتعبنا السفر الى الناس، الى إنجازاتهم وهمومهم والأحلام.. لكن الناس هم اول العلم ومنتهاه.
نغب من الافكار غباً ثم نهرب من محاورتها، وأشهى ما في الفكرة البكر الجدل، ولا يجيء اليقين من الصمت، حتى لو استبطن الحروف جميعاً.
متى ستشهرين قرارك في وجه خوفك؟
متى ستغادرين هزيمتك المتوهمة؟
متى ستنظرين الى نفسك بعينيها فتقولي إنك أوانها، وينتهي هذا الانفصام الممضّ بين ما تدّعين انه انت وما تريدين وتقدرين فعلاً على ان تكونيه، خارج اوهام الخذلان والانسياق مع السهولة؟
متى تتوحدين حتى يستوي الحوار ويتصل؟
لو ان هاتين العينين الجميلتين تنطقان.

 

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لا يعرف له مهنة إلا الحب:
القرب مفسدة للحب. إنه ينزل به الى الابتذال.
إن انتهى الخيال ضعف الحب وصار ملعباً للصبية المراهقين.
الحب كالشعر، يظل حميماً الى ان تقوله فيصير مشاعاً.
الحب أرق من جناح فراشة، إن وقعت عليه اليد تهاوى هباءً واندثر الرفيف.
وقال لي »نسمة« وهو يستحضر طيفها الذي لا يغادر خياله:
ستقول إني مجنون، أسكن الوهم او يسكنني.. لكن حبي أقوى من البعد. إنه يملأني، ينطق به لساني وبه ترى عيوني، ينبض به قلبي وبه تتحرك يدي لتنتج فناً.
إن نجحت، يتقدمني حبي لاستلام جائزة النجاح.
وإن أبدعت ألمح طيف حبي مزهواً بأنه جعلني أتفوق على نفسي، وبالطبع على الآخرين.
لحبي أعمل، لحبي أبدع.
عفواً بحبي أعمل، بحبي أبدع، ولحبي أعيش.
قصيرة هي الحياة على الحب.
آخر الكلام
يأخذني إليك النوم، يأخذك مني الضوء وضجيج الآخرين.
لا ليل لنا نلتقي فيه والنهار مساحة افتراق.
هل حجزت لنا بين الصبحين حجرة نتسلقها على آخر شعاع؟

 

Exit mobile version