طلال سلمان

حماية مبالغ فيها جندي لكل 7 مواطنين

فرجت، ولله الحمد.. واتخذت اوروبا قرارها المستقل ، بعيداً عن الأخ الأكبر الاميركي، وبالتالي بعيداً عن الحلف الاطلسي، وتعهدت بأن ترسل نصف القوة الاممية (اليونيفيل) المقررة، اي 7000 ضابط وجندي من فرنسا وايطاليا واسبانيا وفنلندا وبلجيكا مع مساهمات رمزية من دول اخرى في الاتحاد الاوروبي.
ولقد استقبل لبنان، بفئاته جميعاً، هذا القرار الاوروبي بالترحيب، خصوصاً ان تجربته السابقة مع اليونيفيل كانت طيبة، اجمالاً.. بل هي اثمرت مصاهرات وعلاقات ود وصداقة ما زالت في ذاكرة اللبنانيين عموما، والجنوبيين على وجه الخصوص.
على انه من الضروري الالتفات الى ان القرار الاوروبي قد دخل دائرة الحسم بعد جولة لوزيرة الخارجية الاسرائيلية على الدول التي ستكون لها المساهمات الأكبر في عديد الجنود الآتين ليشكلوا قوة الفصل حتى لا نقول قوة الردع على امتداد الحدود اللبنانية وحدها.
نشير الى هذه الواقعة من باب الذكر ، وليس من باب المباهاة بالقوة الاسطورية التي اكتشفتها اسرائيل في لبنان، واكتشفت معها ان جيشها الذي يصنف كخامس اقوى جيش في العالم، لا يكفي لضمان أمنها ، او انه مشغول عن هذه المهمة بما هو اجدى منها، فليأت العالم اجمع لحماية أمنها بينما ينصرف شبابها الى الانتاج الصناعي لا سيما في التقنيات الحديثة وحتى في الانتاج الزراعي الممكنن والمجزي.
ثم ان حكومتها التي صدعتها حربها على لبنان مهددة بالسقوط في اي لحظة، وربما يعينها القرار الدولي على لملمة الفضائح الجنسية والمالية التي طاولت رؤساءها وبعض وزرائها فضلا عن رئيس الاركان.
ومع التنويه بالموقف الشجاع الذي اتخذته ايطاليا فلا بد من الاشارة الى الموقف الاستقلالي الذي اتخذته فرنسا جاك شيراك، والذي حسم الجدل بالاندفاع الى تنفيذ الجانب العسكري من القرار …1701
كذلك لا بد من تحية لموقف الامين العام للامم المتحدة كوفي انان، الذي تجاوز فيه لياقاته الدبلوماسية المعروفة وحسم في أمرين اساسيين هما: ان لا علاقة لقوات اليونيفيل المجددة بمراقبة الحدود اللبنانية السورية، كما لا علاقة لها بنزع سلاح حزب الله ، اذ اعتبر هذين الأمرين وهذا بديهي من اختصاص لبنان وحده.
أما وقد فرغنا من المجاملات، فلننتقل الى الواقع الموضوعي:
تبلغ مساحة جنوبي الليطاني، التي يفترض ان تنتشر فيها هذه القوات الدولية مضافاً إليها مثل عديدها من الجيش اللبناني (15 ألفا + 15 ألفا = 30 ألف جندي) نحو ألف وسبعمئة كيلومتر مربع.
ويبلغ الرقم الاجمالي للمواطنين في هذه المنطقة من لبنان حوالى 828 ألف مواطن (إذا ما اعتمدنا لوائح الشطب لانتخابات العام 2005 حيث كان عدد الناخبين المسجلين على الورق 376 ألفاً).
وإذا ما انتبهنا الى ان المقيمين في المنطقة فعلاً لا يزيدون على الثلث، باعتبار ان ثلثا ثانيا هو خارج لبنان، والثلث الثالث يقيم في بيروت او ضواحيها، الجنوبية أساساً، فمعنى ذلك ان الثابتين في أرضهم، صيفا شتاء، لا يزيدون على 270 ألف مواطن (بمن فيهم الاطفال)..
هذا معناه انه سيكون لكل سبعة مواطنين جندي يتولى السهر على رعايتهم، سواء أكان هذا الجندي من جيشهم
الوطني أم من قوة التعزيز الدولية التي توازي في عديدها عديده.
أليست هذه الصورة أجمل من ان تكون حقيقية؟
ومتى كانت الدول مندفعة في رعايتها للبنانيين الى حد ارسال جنودها لطمأنتهم ورعاية أمنهم والاقامة بين ظهرانيهم كي يناموا وبالهم مرتاح الى الحد الأقصى..
وأين كانت هذه الرعاية الدولية للبنان على امتداد ثلاثة وثلاثين يوما من الحرب الاسرائيلية التي قتلت الاطفال والنساء والشيوخ ودمرت البيوت والاحلام ووعود الغد الافضل، فضلاً عن إقدامها بتصميم معلن على تدمير المرافق الحيوية من مطار رفيق الحريري الدولي الى مطاري رياق والقليعات المهجورين الى الجسور كافة في مختلف انحاء لبنان الى المدارس والمؤسسات الخيرية الى المصانع والمعامل البسيطة الى المزارع الحديثة التي كانت تنتج حليبا وألبانا والمشتقات؟!
لقد ترك لبنان وحيدا بينما براثن الوحش الاسرائيلي تثخنه بالجراح. لم يتدخل احد، جديا، لوقفه.. بل لعل بعض المواقف (الاميركي خصوصا ومن يلوذ به من الاوروبيين)، قد شجعه على المضي في حربه لتدمير لبنان حتى النهاية..
مع ذلك، ومن موقع المغلوب على امره، نرحب بقوات اليونيفيل المجددة مهمتها.. ولسوف تلقى من اللبنانيين كل ترحاب وكل تقدير وكل مودة.
ولكن لا يدعين احد ان هذه القوات ليست مطلبا اسرائيليا ايضا.
هل هذا يعني ان العالم كله قد تطوع لحماية اسرائيل؟
قد يكون في هذا الاستنتاج قدر من المبالغة.. ولكن فليكن واضحا ان اسرائيل قد ألحت بطلب القوات الدولية بقدر ما ألح لبنان واكثر، وانها بحاجة الى وجودها بقدر حاجة لبنان واكثر.
مع ذلك فلبنان يرحب بهذه القوات التي لا تجيء من موقع العداء والتي نتمنى ان تتحلى بالنزاهة… فقط.

Exit mobile version