طلال سلمان

حماية »حزب له« ليبقى »تفاهم نيسان«

قبل الكلام: من حق شهدائنا علينا أن نطمئنهم إلى أن دماءهم لم تذهب هدراً. لقد أضاءت سماءنا وطريقنا وبيوتنا وعقولنا فمنعت العتمة الإسرائيلية من أن تسود بعد قتل الكهرباء فنضيّع طريقنا أو نضيع عن أهدافنا. ومن حقهم جميعا، ورجال الإطفاء منهم في الطليعة، أن نحفر أسماءهم على ألواح صدورنا، وأن نخلّد ذكراهم في مدننا وبلداتنا، في قاعاتنا الجامعية ومدارسنا، وأساسا في محطات التحويل والتوليد التي عادت وبأسرع من أي توقع تمنحنا النور… لأن أرواحهم فيها بعد، تشع ضياء.
وقبل الكلام: من حقنا على إخوتنا العرب، الذين كانوا في طريقهم إلى لبنان، للاستثمار أو للسياحة والاصطياف في ربوعه، تجديدا لعاداتهم القديمة، أن نطالبهم بألا يعدلوا في خططهم، بل أن يصرّوا عليها، فيكسبوا إلى المتعة شرف المشاركة في جهاد لن يكلفهم مالاً ولا عناء… لقد مسح لبنان، دولة وشعبا، معظم آثار العدوان في وقت قياسي بقصره، وتفجرت إرادته المقاومة نوراً تؤكد منعته، وتثبت أن الصمود ومهما بهظت أكلافه، هو أقل كلفة من الهرولة إلى الاستسلام بتوقيع اتفاقات الاذعان، في السياسة كما في الاقتصاد على حد سواء. ولبنان قضية عربية ودولية الآن في حين أن رهط المهرولين منسيون ومهملون، هذا من دون الإشارة إلى »الاحترام«.
وقبل الكلام: ان لبنان، وبعد كل اجتياح إسرائيلي جديد، يخرج أقوى وأبهى وأكثر تماسكاً، إذ يتعمّق إحساسه الوطني بمجد الصمود، وينصب قامته معتزاً بشرف المقاومة التي لم تعد حزباً فيه بل صارت انتماءً ومناخاً صحياً ينشر العافية في البلاد التي كانت (قبل المقاومة) تعيش في ظل حرب أهلية مفتوحة، ثم اهتدت الى ما يوطد وحدتها الوطنية وهويتها العربية.
* * *
يستطيع لبنان، الصغير، الضعيف الموارد، والذي يعاني أزمات داخلية شتى قد تكون أخطرها الأزمة الاقتصادية، أن يقول إنه قد أخرج من الحكم ومن الحياة السياسية في إسرائيل رئيسين (على الأقل) خلال نحو من ثلاث سنوات: لقد استصغرا شأنه، فقاما فيه باستعراض بالنيران، فكانت النتيجة أنه صمد وأنهما سقطا على التوالي مجللين بالفضيحة.
كأنه مقدَّر على لبنان أن يدفع ثمن خروج أي قيادي في إسرائيل من سدة السلطة… ولقد دفعنا في حزيران 1996 »فاتورة« سقوط شيمون بيريز، وها نحن ندفع اليوم فاتورة من جاء على أنقاضه وبفضل فشله بنيامين نتنياهو، الذي يتقدم يهودا باراك الآن لكي يرثه متبرئاً من سقطته (الأخيرة؟)، مع أنه المستفيد الأول والأكبر منها.
وغني عن البيان ان أكثر من طرف، والأميركي أساسا، قد تبرّع ليغسل يدي باراك من جريمة سلفه نتنياهو، الذي حاول أن يكمل ما باشره بيريز من حيث أجبره آنذاك طوفان الدم اللبناني، وبسالة المجاهدين من رجال المقاومة، والمساندة العربية، (السورية أساسا)، والدعم الدولي (الفرنسي بداية) على التوقف.
على أن الجميع يعترف مضطرا بأن باراك كان بوسعه أن يمنع، لو أنه كان بالفعل معارضا، ثم انه في كل الحالات سيجني الغنم تاركا نتنياهو يدفع غرم أحقاده وغروره وينتقم لفشله داخل إسرائيل بقتل الكهرباء والمرافق العامة في لبنان.
ومع أن الأطراف المعنية، ولا سيما فرنسا، قد تحركت بسرعة، بعد الضربة، لاستنقاذ »تفاهم نيسان« من أن يندثر تحت الأنقاض، إلا أن الموقف الأميركي الرسمي قد أثّر على تعديل صيغة أو »مفهوم« ذلك »التفاهم«.
كان »تفاهم نيسان«، حتى الامس، مكسباً دبلوماسياً وسياسياً ممتازاً للبنان والمقاومة فيه بشكل خاص (ولسوريا طبعاً، ولفرنسا التي اعترف بها طرفاً مباشراً) اذ هو يتضمن اعترافاً دولياً بشرعيتها، وبالتالي بحقها في العمل المسلح ضد الاحتلال الاسرائيلي، ويردع اسرائيل عن ضرب المدنيين والمنشآت والمرافق العامة في لبنان،
اليوم، ومن خلال المواقف الضمنية او المعلنة يراد »لتفاهم نيسان« ان يصير ضماناً لاسرائيل ضد المقاومة، بالاستناد الى الموقف الاميركي الرسمي الذي انطلق في التعامل مع »اجتياح حزيران« وكأنه رد اسرائيلي على »اعتداء« المقاومة في لبنان على المدنيين في اسرائيل؟!
ويبدو الالحاح الاميركي على سوريا بوقف او تجميد نشاط »حزب الله«، ولو لفترة ستة شهور، وكأنه الوجه الاخر لكلام وزير دفاع اسرائيل موشى ارينز الذي اعاد تأكيد موقفه القائل »ان تفاهم نيسان لا يساوي الورقة التي كتب عليها، وان لدى الجيش الاسرائيلي قائمة طويلة بالاهداف المنوي ضربها في لبنان«، ان لم توقف سوريا نشاط »حزب الله« ضد جيش الاحتلال.
المهم ان »تفاهم نيسان« قد انقذ من تحت ركام الضربة الاخيرة(؟) لنتنياهو، وان كانت تلك الضربة ستسمح لباراك المبرأ من المسؤولية عنها!! بتعديل جدول الاعمال في فترة التمهيد للمفاوضات العتيدة لاحياء »العملية السلمية«، تمهيداً للعودة الى طاولتها، ذات يوم من اواخر العام الحالي او بدايات العام المقبل.
لا قرار بالحرب او بالاندفاع في التصعيد حتى حافة الحرب، لكن اضعاف المقاومة، او هزّ موقعها السياسي وتلاحمها مع الشعب ومع السلطة في لبنان، كل ذلك قد يكون مطلوباً، ليس فقط لارباك لبنان وتحويل مصدر قوته الى نقطة ضعف فيه، بل كذلك لاستخدامها كمنطلق لاحراج سوريا (واستطراداً لتخريب العلاقات بين سوريا وايران، ولبنان وايران بطبيعة الحال).
لا قرار بالحرب، ولكن لا كاتيوشا في عهد باراك.
الكاتيوشا لم تعد الرد المحدود ولكن الموجع على التفوق العسكري الاسرائيلي المطلق، ولكنها ستغدو بعد الان الذريعة التي ستستخدم لضرب البنية التحتية في لبنان، تلك التي مات دونها افيغدور كهلاني فقصفها بينما هو يخرج مهزوماً من مكتبه الحكومي في تل ابيب.
وستكون الكاتيوشا بعد اليوم سلاحاً ضد المقاومة وليس في يدها، اذ سينسب اليها وليس الى الاجتياحات الاسرائيلية ما يلحقه الاحتلال من تخريب وتدمير في لبنان ليس اقلها قتل النور واعدام الجسور.
وعلى هذا فحماية »حزب الله« لا تقل اهمية وخطورة عن حماية البنية التحتية في لبنان، بل لعل حماية المقاومة التي يتصدر طليعتها »حزب الله« هي المدخل الطبيعي لحماية لبنان كله، دولة وشعباً وبنى تحتية.
… خصوصاً وانه »لم يعد بوسع الجيش الاسرائيلي بعد الان الاستعانة بمقاولين ثانويين«، كميليشيا لحد، على حد ما يقول بعض كبار الكتاب الاسرائيليين.
انها نهاية مرحلة نتنياهو، لكنها بداية مرحلة باراك.. والحرب مستمرة.
والمراهنات الخاطئة قد تكون نتائجها افظع تدميراً من الاجتياحات، خصوصاً وان سيرة حياة يهودا باراك لا تشهد بانه كان في اي يوم من صناع »السلام« او من دعاته، وسجل الاغتيالات التي نفذها لا يحتاج الى من يذكر به، مشرقاً ومغرباً.
طلال سلمان

Exit mobile version