طلال سلمان

حلول داخل في نيويورك بعيدة

من حق الرئيس ميشال سليمان أن يختتم ولايته التي استهلكتها الأزمات المتلاحقة، أمنياً واقتصادياً وسياسياً، وكلها يهد الحيل، بالمشاركة في مهرجان دور الانعقاد العادي للهيئة العامة للأمم المتحدة، ضمن حشد الكبار الذين سيتواجدون في نيويورك ابتداءً من اليوم، الاثنين.
من حقه أن يكون واحداً من الرؤساء والملوك والأمراء والقادة الذين سيتزاحمون على التقاط الصور التذكارية مع الرئيس الأميركي الأسمر باراك أوباما، الذي لم يقدّر له أن يزور الوطن الصغير والجميل، لبنان، فيتذوق التبولة الأصلية مع كأس عرق زحلاوي، ويأكل الفلافل قبل تهجينها إسرائيلياً، ويتعرّف على تاريخ العالم قبل استيلاد أميركا، ويستمع إلى حفلة زجل تليها وصلة دبكة بعلبكية بخبطة أقدام هدّارة..
من حقه ذلك، حتى لو كان لبنان بلا حكومة قائمة بالأمر، وإن كان للحكومة المستقيلة رئيس صاحب دولة ممنوع من التوقيع، وللمرجأ تشكيلها مشروع صاحب دولة لا يقدر على ابتداع حكومة جديدة بمواصفات متناقضة إلى حد استحالة التأليف..
من حقه ذلك، حتى لو كان مجلس النواب في إجازة مفتوحة، معطلاً بالمزايدات الطائفية والمناقصات المذهبية، تجتمع لجانه دورياً وتلتقط الصور لأعضائها مبتسمين متحابين ومتواطئين على تعطيل الجلسات العامة بأوامر متعددة المصدر.
من حقه ذلك، فوزير الخارجية المستقيل ـ الباقي يستطيع أن يقوم بدور المعرّف، ومندوب لبنان الدائم في الأمم المتحدة يستطيع تنظيم بعض المواعيد، إن لم يكن من أجل البحث الجدي في حلول للمعضلة اللبنانية، فأقله من أجل العودة بحصيلة من اللقطات مع كبار القوم في الدنيا، تنفع لملء جدران التقاعد بصور الكبار يرحبون به مبتسمين..
من حقه ذلك طبعاً، خصوصاً أنه يكاد يكون معطلاً عن القرار في الوطن الصغير… هو صاحب توقيع مذهب طبعاً، لكنه لا يستطيع أن يوقع منفرداً، إذ لا بد من حكومة طبيعية برئيس لها يشاركه التوقيع مع الوزير المختص، ويمكن لأي منهما أن يمتنع عن التوقيع لأي سبب، بينما مات سلفه الرئيس الياس الهراوي في حسرة أنه لا يستطيع تعطيل تنفيذ المراسيم «بينما أي وزير جهبذ يمكنه ممارسة هذا الفعل الشنيع لأن الدستور أعطاه هذا الحق الهمايوني»، كما كان يقول، رحمه الله.
وقد يتعرّض الرئيس سليمان لمواقف محرجة، حتى بعيداً عن مهزلة الوقوع في منطقة الفراغ بين حكومة مستقيلة ولكنها قائمة من دون حق التوقيع، ومشروع حكومة جديدة تعسّرت ولادتها ولو قيصرياً.
من ذلك إذا ما سُئل، مثلاً، عن موقفه من الحرب أو الحروب التي تلتهم سوريا دولة وشعباً، تاريخاً وحضارة عريقة، وعن اقتراحاته للحل، وهو في قطيعة معلنة مع النظام في دمشق، وفي تجنب واع لأية علاقة مباشرة مع المعارضين الكثر، وإن كان يستطيع أن يحاضر في ضرورة الحل السلمي للأزمة التي تعصف بالبلد الشقيق، من دون التورّط في التفاصيل وهي مكمن الشياطين.
يستطيع الرئيس سليمان أن يحاضر مطولاً في أزمة النازحين السوريين والتكلفة الثقيلة لإيوائهم، ولو في مخيمات، وتخصيص مقاعد كافية للتلامذة من أبنائهم في المدارس الرسمية التي يوفد أساتذتها أبناءهم إلى المدارس الخاصة لضمان سلامة طريق أبنائهم إلى المستقبل..
على أن أهم ما في الزيارة التاريخية أن الرئيس سليمان سيلتقي خلالها الرئيس الإيراني الشيخ الدكتور حسن روحاني، وسيجتهد في أن يكون صريحاً معه لعله يسمع منه ما يطمئنه إلى دور «حزب الله» في المستقبل القريب داخلياً، وإن كان يهمه أن يعرف ما يمكن إعلانه عن إيران النووية وعن تصورها للحل في سوريا، خصوصاً بعد الحرب الديبلوماسية الناشبة حول السلاح الكيماوي والتي قد تنتهي بتسوية من خارج التوقع… وكل هذه الموضوعات مصادر للقلق الرئاسي، لا سيما أن التسوية العتيدة قد تكون لها آثارها الخطيرة على الوضع المهزوز أصلاً في لبنان المنقسم على ذاته، المعطّلة دولته، والذي لا يملك رئيسه حق القرار في ما يواجهه الآن أو سيواجهه غداً…
ترى هل يستطيع رئيس الجمهورية المشلول قرارها في لبنان أن يسأل عن المستقبل في هذه الدولة التي لا يفتأ «أهل القرار»، أميركيين وأوروبيين، يهربون من مساعدتها على تثبيت ركائز الحكم… في حين يذهب الأخوة الأغنياء من أهل النفط إلى محاصرتها سياسياً واقتصادياً، ولا يتورعون عن تغذية مناخ الفتنة فيها بقرارات همايونية تضيق الرزق على الذين قصدوا إليها ليساهموا في بنائها بعلمهم وكفاءاتهم وعرق الجباه والزنود؟
[ [ [
هي رحلة مفيدة، إجمالاً، حتى لو أدرجت في خانة العلاقات العامة… فأن يحضر لبنان برئيس بلا حكومة، أفضل من أن يغيب في انتظار تشكيل حكومة تتعسر ولادتها بشكل طبيعي منذ خمسة شهور طويلة، كما يستحيل استيلادها قيصرياً، لأن ذلك يعني تفجير الوطن الصغير والجميل المهدد في دولته والذي تجاوز مسلسل الإضرابات فيه العمال وصغار الكسبة إلى متوسطي الحال من المعلمين الثانويين وكبار الموظفين وصولاً إلى أصحاب المصارف والهيئات الاقتصادية جميعاً.
وإذا كان «كبير من لبنان» قد أسهم في كتابة ميثاق الأمم المتحدة، فإن رئيساً من لبنان قد سجل سابقة مميزة: يمكنك أن تذهب إلى أخطر محفل دولي، وأن تلتقي الرؤساء الكبار والملوك الصغار والوزراء المؤثرين في سياسات العالم، وبلادك بلا حكومة ولا مجلس نيابي ومسلسل الأزمات الاقتصادية ـ الاجتماعية معززاً بحصار عرب الثروة يعصف باستقرارها.
وفي انتظار عودة حميدة نتمنى للرئيس سليمان رحلة سعيدة ولقاءات مفيدة قد تنتج معجزة تشكيل الحكومة المعلّقة في الفضاء المفتوح!

Exit mobile version