طلال سلمان

حلف ثلاثي جديد اميركي اسرائيلي عربي

للسنة الثانية على التوالي يمتنع على اللبنانيين أن يحتفلوا بالأعياد عموماً، وبعيد جيشهم الوطني خصوصاً.
ففي مثل هذه الأيام من العام الماضي كان العدو الإسرائيلي، معززاً بالدعم الأميركي المعلن والمفتوح، يغتال عبر حربه على لبنان الأعياد والأطفال والنساء والشيوخ والقرى والبلدات، ويفرض التهجير على مئات الألوف من أبنائه إلى حيث استضافهم أخوتهم في المناطق التي تقصّدت الغارات الإسرائيلية أن تتجنّبها سعياً إلى فتنة بين اللبنانيين… ولولا بسالة المقاومين وصمودهم الأسطوري وتضامن شعبهم من خلفهم، والتزام الجيش موقفه المساند لأهله، لما أمكن إلحاق الهزيمة بأبطال تلك الحرب جميعاً: الحكومة والجيش في إسرائيل والإدارة الأميركية وتواطؤ بعض الأنظمة العربية الرسمية، التي سرعان ما انكشف بل وصار سياسة رسمية معتمدة، كما تدل المواقف العربية الرسمية المعلنة، وآخرها ما تجلى في اجتماع مجلس الجامعة العربية في القاهرة، أمس، على مستوى وزراء الخارجية.
هذه السنة، ذهبت الحرب الجهنمية التي فرضتها عصابة فتح الإسلام في مخيم نهر البارد، ليس فقط بعيد الجيش، بل بإمكان الاحتفال بذكرى الهزيمة التي منيت بها إسرائيل ومن شاركها حربها على لبنان.
يمكن أن نفترض تحالفاً موضوعياً، بالتالي، بين إسرائيل والإدارة الأميركية وبعض التنظيمات الأصولية التي يعميها التعصب والجهل والغربة عن واقع أوطانها وأمتها، فتضيع عن العدو الوطني والقومي لتقاتل من يواجهه ويصمد له… وهذا حال الجيش الذي حوّله دوره في حماية الوحدة الوطنية في مواجهة مخاطر التقسيم والفتنة إلى بطل السلامة الوطنية ، خصوصاً وقد جاءت ممارساته خلال محنة الانقسام السياسي المدجج بعوامل التفجير مكمّلة لدوره الذي لا ينسى في حماية ظهر المقاومة وهي تواجه العدو الإسرائيلي.
وها هي الإدارة الأميركية تؤكد علناً، وبلا مواربة، تحالفها مع أنظمة الاعتدال العربي إضافة إلى إسرائيل، في مواجهة المقاومة، أي مقاومة وفي أي بلد عربي، تجهر باستعدادها لقتال الاحتلال سواء أكان إسرائيلياً كما في فلسطين، وكما في الحرب على لبنان، أم أميركياً، كما في العراق الذي يكاد يتمزق شعباً وكياناً سياسياً تحت ضغط الاحتلال الأميركي بنار الفتنة، إضافة إلى نيران قواته الجوية والبرية، والتهديدات التي يمثلها حشد أساطيله البحرية في الخليج العربي، بهدف محاصرة إيران وتصويرها وكأنها مصدر الخطر على العرب عموماً من حول العراق الذبيح.
ومن حقنا في لبنان، بداية، ومن حق شعب فلسطين ثانياً، ومن حق سوريا ثالثاً، أن نتنبّه وأن نستعد لمواجهة الأسوأ من هذا الحلف الذي أخرجته واشنطن إلى العلن الآن، والذي يضم إليها إسرائيل وما تسميه أنظمة الاعتدال العربي ..
فليس تفصيلاً أن تزيد الإدارة الأميركية مساعداتها لإسرائيل بنسبة 25 في المئة، فتعلن عن منحها 30 مليار دولار، أسلحة وعتاداً وتجهيزات عسكرية، خلال عشر سنوات..
وليس تفصيلاً أن تعلن الإدارة الأميركية، رسمياً، مصر والسعودية ودول الخليج شركاء استراتيجيين لها إلى جانب إسرائيل، في حربها على قوى التطرف ، وأن تسمّي بين حلفائها المعنية بحمايتهم المعتدلين الفلسطينيين وحكومة لبنان والحكومة العراقية …
وكان منطقياً أن يبادر الرئيس فؤاد السنيورة إلى محاولة التخفيف من أعباء هذا الاتهام الأميركي له، وأن يظهر الانزعاج والاستغراب والدهشة من القرار الأميركي بزيادة المساعدات الأميركية لإسرائيل بواقع 3 مليارات دولار سنوياً… وأن يرى فيها رسالة بالغة السلبية بالنسبة للبنانيين والعرب تجاه مستقبل المنطقة .
بالمقابل فإن قوى الاعتدال العربي التي بالغت في الرقة خلال ترويجها مبادرة السلام العربية قد أضافت إلى تلك المبالغة في الرقة مبالغة في النفاق بإعلان ترحيبها عبر مجلس الجامعة العربية، أمس، بالإيجابيات التي تضمنها خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش ، ومقترحاته حول المسألة الفلسطينية، التي لا تعني غير التشجيع على حرب أهلية في فلسطين تحت الاحتلال، بمشاركة عربية فاعلة، كجزء من خطة مكافحة الإرهاب .
في عيد الجيش في لبنان، الذي يجي ء هذه السنة متزامناً مع الذكرى الأولى لهزيمة الحرب الإسرائيلية بالمقاومة الباسلة والصمود الرائع لشعب لبنان من خلفها، تدل التصرفات الحمقاء للإدارة الأميركية التي باتت متقدمة حتى على إسرائيل في محاولة تفجير المنطقة بالفتن والمذابح الأهلية بذريعة مكافحة التطرف و الإرهاب ، على أنها ستقضي على الأعياد في هذه الأرض العربية، ولزمن طويل.
مع ذلك يظل واجباً وطنياً أن نحيي الجيش في عيده، خصوصاً بعد عمادة الدم الجديدة في مواجهة الإرهاب فعلاً، ولحساب الوحدة الوطنية وتدعيمها، وليس لحساب الإدارة الأميركية وحلفائها الذين ثبت تورّطهم في رعاية هذا الإرهاب .
… وليس ذنب اللبنانيين أن تكون محاولة هذا الحلف الجديد وتفرعاته الأصولية لتعزيز مناخ الفتنة قد ارتدت على إرهابيي النهر البارد، ومن افترض أنه قادر على توظيفهم لحسابه فكان الثمن باهظاً وبالدم القاني!

Exit mobile version