طلال سلمان

حكومة وامتحان ما بعد ثقة اجماع

يأخذ الزهو بالنجاح في انجاز تشكيل حكومة »الأكثريات المؤتلفة« في المجلس النيابي الجديد، الرئيس فؤاد السنيورة إلى القول انها »أول حكومة صنعت في لبنان« وان بيانها الوزاري الذي ستتقدم به لنيل الثقة هو »أول بيان وزاري كتب بأيد صافية اللبنانية، وفي بيروت تحديداً«.
ومع التسليم بصحة هذا القول، من حيث المبدأ، الذي يستند إلى واقع ان التكليف قد حظي باجماع غير مسبوق (126 من أصل 128)، وإلى الاحتمال المؤكد بأن الحكومة الجديدة ستنال الثقة بالأكثرية ذاتها محسوماً منها أصوات الكتلة الائتلافية للجنرال عون، فمن الضروري التذكير بأن ثمة معادلات سياسية خارجية، إضافة إلى عوامل داخلية فاعلة، »فرضت« مثل هذا الاجماع في التشكيل وستفرضه غداً في منح الثقة.. ولكنها غير مضمونة أو هي مشروطة، بعد ذلك.
وبين محاسن الصدف أن تجيء زيارة وزيرة الخارجية الأميركية إلى بيروت غداة الاعلان عن قيام حكومة الائتلاف العريض، وان تزكي الرئيس فؤاد السنيورة »لكفاءته وجديته في معالجة الأوضاع المعقدة«، وان تتغاضى عن واقع ان حكومته تضم خلافاً لكل ما سبق من حكومات ممثلين ل»حزب الله«، رافع راية المقاومة، والمستهدف مباشرة بالقرار 1559 (دون أن تتغافل عن التذكير بأن حزب المقاومة هو »تنظيم إرهابي«، وبأن القرار الدولي واجب التنفيذ، وان كانت قد تركت »فترة سماح« للبنانيين كي يتوافقوا على معالجة هذا الأمر الخطير).
كذلك فإن بين محاسن الصدف ان تكون دمشق قد أعلنت، في التوقيت ذاته، انها تنتظر البيان الوزاري لتقول رأيها في هذا التطور السياسي ذاته، في لبنان، مع الترحيب مبدئياً بفؤاد السنيورة كرئيس لحكومة لبنان السيد المستقل، كي تبحث معه القضايا المعلقة التي نجمت عن انتهاء »حقبة الوصاية السورية« بكل ما رافق ذلك من مناخات غير أخوية بل وغير ودية ان لم نقل انها عدائية واستفزازية استدرجت »التحرشات« على الحدود بين الدولتين، وان كانت لا تبررها.
إذن فالحكومة التي تمثل الأكثريات المجسدة للائتلاف الطوائفي تدخل المجلس النيابي محصنة بتأييد دولي يكاد يصل إلى حدود التبني، وكذلك بعدم اعتراض سوري تحول في الأيام الأخيرة إلى اعلان الاستعداد لتجاوز الأزمة الخطيرة التي عصفت بالعلاقات بين الدولتين، في الشهور الأخيرة، والتي انذرت بتسميم العلاقات بين الشعبين الشقيقين نتيجة حملات التحريض والاهانات والتجريح التي لا يمكن تبرئتها من »العنصرية«، واستطراداً من العمل بوعي أو من دونه لاضعاف البلدين في مواجهة الضغوط الدولية الهائلة التي بلغت حدود الوصاية (لبنانياً) والتهديد المباشر (لسوريا).
لقد اجتاز فؤاد السنيورة عقبة التشكيل فقامت الحكومة الممثلة لأكثريات القوى (الطوائف) المؤتلفة.
ويبدو ان قدرة كونداليزا رايس على »الاقناع« قد خففت من حماسة الجنرال عون للانتقال بمعارضته إلى الشارع، وبحصرها في الإطار »الديموقراطي« بدلاً من استخدام »حق النقض« باسم طائفته التي يرى نفسه »ممثلها الشرعي الوحيد«..
على هذا فإن الامتحان الجدي للحكومة الجديدة سيبدأ في اليوم التالي لنيلها ثقة الأكثريات (الطوائفية) الممثلة فيها والتي توافقت بغير كبير عناء، وبرغم الزيارة المباغتة لسمراء الدبلوماسية الأميركية (أو بفضلها) على بيانها الوزاري الذي يعكس طموحها لأن تكون »حكومة الاصلاح والنهوض«.
.. ولعل من محاسن الصدف أيضاً ان يكون المجلس النيابي قد اعفاها من مهمة اقرار قانون العفو، إذ صوّت عليه بما يشبه الاجماع، وهذا الاجماع بين سمات هذه المرحلة من مراحل الديموقراطية الطوائفية وأخذ بصدره النتائج المباشرة لهذا العفو الذي اعتبر إعلانا بالعودة بلبنان إلى ما قبل »مرحلة الوصاية السورية«.
انها حكومة استثنائية بظروف ولادتها، وبتركيبتها غير المسبوقة، وبالثقة شبه الاجماعية التي تحظى بها نيابيا، وبالتأييد الدولي المعلن بصراحة وحزم وبأسلوب مباشر يداني حدود الوصاية، فضلاً عن الترحيب السوري (ولو مشروطاً)..
ثم انها حكومة الظروف الاستثنائية التي يعيشها لبنان، اقتصادياً ومالياً، سياسياً وأمنياً. والأخطر هي الحالة النفسية الضاغطة على اللبنانيين التي تقارب ضيق من يشعر بأنه »تحت الحصار«، فيتصرف بردود فعل عصبية تخلط الصح بالغلط والحلال بالحرام قبل ان يستعيد وعيه ومن ثم عقله وسيطرته على غضبه ليباشر العمل الجدي من أجل معالجة الأزمة بما تفرضه من جدية وحرص على المصالح الوطنية.
ان الحكومة تقدم عبر بيانها الوزاري المكتوب في بيروت، لأول مرة اعلان نوايا يعكس توافقاً على التقدم لمواجهة المشكلات في عينيها، سواء في الداخل، أو مع الجار الشقيق الوحيد، أو مع »الشرعية الدولية« ولو مرجأة، وإنما إلى حين.
انها حكومة مواجهة المصاعب والمخاطر.
والأمل ان يمنح جو التأييد الاجماعي الذي وفر اقامة »أول حكومة من صنع لبنان« حصانة قوية لهذه الحكومة تمكنها من تحقيق حد معقول من بيانها الطموح.
وعسى التوافقات الطائفية التي يسرت الولادة وكتابة البيان الوزاري واقراره داخل مجلس الوزراء، تتواصل وتتوطد عبر انجاز الممكن.
ويعرف فؤاد السنيورة الذي علمته التجارب (وكثير منها مرير) خطورة المهمات المطالبة حكومته بانجازها.
ويعرف الناس عن فؤاد السنيورة عناده واصراره على ما يقتنع بانه الصح، وقد اوصله ذلك العناد إلى التعارض مع رئيسه وقائده الشهيد رفيق الحريري أحياناً، وان كان ترك له دائما أمر القرار بوصفه صاحب القرار وحامل المسؤولية عنه، كما جعله »الخصم« المباشر للكثرة الكاثرة من السياسيين والنافذين.
وامتحان فؤاد السنيورة غداً سيكون أقسى، لأنه يعمل بالتحديد مع حكومة صنعت في لبنان، وعلى قاعدة بيان وزاري كتب في بيروت.
والبيان يحتاج، في تنفيذه، إلى القريب والبعيد.. ولا سيما القريب، باعتبار ان البعيد صار في الداخل، نتيجة ظروف لا يد لفؤاد السنيورة فيها.

Exit mobile version