طلال سلمان

حكومة معارضوها هم حلفاء

من الظلم مقارنة هذه الحكومة التي استولدت قبيل موعد الإفطار، أمس، بالحكومات السابقة ذات »الوهج الحريري«، وذات التمثيل الأوسع لأن التمديد لم يكن قد أتم فأحدث هذا الشرخ في جسم »الحلفاء في الخط« فأبعد بعضهم واستعدى بعضهم الآخر، وحيّد بعضاً ثالثاً، وأحرج فأخرج بعضاً رابعاً، فلم يتبق إلا »الاحتياط الاستراتيجي« فنزل إلى الميدان »بمن حضر«.
بل ان من الظلم التعامل مع هذه الحكومة التي استولدتها الضرورة من خارج منطق رئيسها الذي وصفها بدقة بالقول: »ليس بالإمكان أبدع مما كان«!
إنها حكومة لثلاثة رؤساء يتفقون بالاضطرار، ويختلفون في الرؤية وفي التقدير وفي المصالح… ويمكن أن يضاف إليهم »رئيس رابع« هو الذي طلب ما لا يجرؤ غيره على طلبه، وكان لا بد من تلبية طلبه، ولو قسراً، فتمت التلبية، وذاق »الابن« المرارة التي جرعها »لأبيه« حين أصر فكان له ما أراد واحتل وزارة الداخلية وريثاً غير شرعي، لمُلك لا يجوز توريثه.
لقد نال كل رئيس حصة في قسمة ضيزى، لغياب من يستطيع منع هذا التقسيم.
وليس تعريضاً بالحكومة القول إن الغائبين عنها أهم من معظم الحاضرين فيها، وان مشكلتها الكبرى ستكون في المقارنة بين هؤلاء وأولئك.
ولسوف تظل هذه الحكومة »مظلومة« بالمقارنة مع »الغائبين الكبار« عنها، وجلهم من »رفاق السلاح« ومن »الشركاء في المسار والمصير«، قبل أن نتحدث عن المعارضات الطبيعية للكل مجتمعين.
وغداً في المجلس النيابي سيكون حاجبو الثقة من »رفاق الخط« أكثر بكثير من الخصوم المشتركين للحلفاء سابقاً ممّن فرّقتهم معركة التمديد، ثم محاولة تخفيف أضرارها.
وليس أمراً بسيطاً في هذه اللحظة السياسية أن يكون بين حاجبي الثقة رفيق الحريري ومن معه، ووليد جنبلاط ومن معه، وعلى الأرجح »حزب الله« ومن معه، فضلاً عن »قرنة شهوان« والقراني الأخرى التي استولدها التشكيل المتعجّل لحكومة السبعة أشهر، في مواجهة »حرب التدخل الدولي«.
لقد كرّست هذه الحكومة انقساماً كان قد استبق ولادتها، فصار من الصعب الافتراض أن »رفاق الخط الواحد« سيعودون إلى التلاقي قريباً، خصوصاً أن معظمهم سينظر إليها على أنها ستصوغ قانوناً للانتخابات قد يستهدفه ليحجمه أو ليلغيه..
ولقد كان ممكناً، على سبيل المثال، استحضار بيروت، سياسياً، من داخل الرغبة الضمنية أو المعلنة في تحجيم الحريري… لكن التشكيل تسبّب في استخصام السياسي البيروتي الأبرز الذي كان جاهزاً للتعاون بل ولأن يكون »مجنداً« في معركة حماية »مؤخرة الخطوط« بعد التمديد.
كذلك فقد كان ممكناً تجنّب استفزاز »حزب الله« بتكريس وحدانية التمثيل الشيعي، في شخص أثبتت كل أنواع الانتخابات النيابية والبلدية أنه لا يمثل لا الأكثرية الساحقة ولا الأكثرية النسبية في هذه الطائفة التي تضم حشداً لجباً من الكفاءات المميزة ممّن عيبهم الأوحد أنهم لا يقرّون بوحدانية الزعامة، وأنهم يرفضون أن يكونوا رعايا.
وكان ممكناً، بالتأكيد، تجنب إعلان الحرب على وليد جنبلاط وتحويل التعارض في المواقف إلى خصومة تستخدم الكيدية ضد ركن أساسي من أركان العمل الوطني، والأهم في هذه اللحظة من أركان المواجهة مع القرار الدولي وتداعياته التي ستسحب نفسها على المقبل من التطورات.
يبقى أن الامتحان الفعلي لهذه الحكومة التي رأى فيها البعض »حكومة الأقضية الأربعة« أو »الملحقات«، لنقص تمثيل »المركز« أي بيروت وجبل لبنان، سيكون في قانون الانتخابات، وهو مهمتها الأصلية، فضلاً عن مشروع الموازنة التي تركها وزير المالية الخارج بمثابة »لغم« قد يتفجر بين يدي من يأتي بعده… ومع أن من أتى بعده من أهل الكفاءة والخبرة إلا أن »السوق« لا يرحم، كما أن الأزمات المتراكمة أثقل من أن يكفي لمواجهتها احتياطي المصرف المركزي.
إنها حكومة عادية في لحظة استثنائية بكل المعاني، محلياً وعربياً ودولياً بالذات.
والمهم أن تنجح في وقف التدهور، وليس في الإنقاذ الذي سيظل حتى إشعار آخر مستحيلاً.

Exit mobile version