طلال سلمان

حكومة اسبوع الام

من المصادفات القدرية أن تُستَولد الحكومة الجديدة في »أسبوع الآلام«، والآلام في هذه اللحظة »قومية« وراهنة وليست مجرد ممارسة لطقس ديني له قداسته..
أما الظلم فهو أن تُنسَب هذه الحكومة إلى »مقتضيات الوضع الخطير« الذي فرضه الاحتلال الأميركي للعراق، بتداعياته غير المحدودة على منطقتنا عموماً..
ومن النكات السوداء أن تدعي هذه الحكومة لنفسها أو أن يتهمها »خصومها« المعروفون سلفاً، بأنها إنما استولدت لجبه التهديدات الفاحشة التي وجهتها الإدارة الأميركية (المتصهينة فعلاً وبالدليل الحسي) إلى سوريا، وفيها ما يطال دورها في لبنان.. إضافة إلى لبنان ذاته.
لقد فرضت هذه الإدارة الأميركية بالتواطؤ العلني مع إسرائيل »جواً حربياً كاملاً« على سوريا (ومعها لبنان) يكاد لا ينقصه إلا الأمر بمباشرة الغارات على دمشق في محاولة لفرض شروط إسرائيلية على القيادة السورية التي اتخذت الموقف البديهي الذي يُلزمها به منبتها القومي، كما تُلزمها به موجبات الدفاع المشروع عن النفس… فأي عربي يسلِّم باحتلال أي دولة أجنبية (ولو كانت الأعظم قوة في الكون) لبلد عربي هو إما متواطئ أو غبي أو مقصّر في حماية ترابه الوطني.
إذاً، فهي حكومة عادية في ظرف استثنائي، لا هي »حكومة طوارئ«، ولا »حكومة أقطاب«، كما يحب اللبنانيون أن يصنّفوا »الوجاهات السياسية« التي تتناوب على حكمهم ببرنامج مختصر: صورهم الكريمة.
ستكون، مثل سابقاتها، محكومة بالضوابط والثوابت وقواعد المحاصصة ذاتها.. فحتى الحرب الكونية لا تبدل في قواعد لعبة التوازن داخل الاختلاف: لا الخارجون هم مصدر العلة، ولا الداخلون (أو العائدون) هم مصدر الحلول، ولا التعديل باستعادة بعض من غيّبتهم (الضرورات التي تبيح المحظورات) سيبشّر الناس بربيع من الإنجازات.
من السهل الرد على هذا الكلام بالقول: هذه هي »الطبقة السياسية« في لبنان الألفية الثالثة… وكل حكومة ستأتي محكومة بمنطوق تحالفات »الكتل الكبرى«، حتى مع الوعي بأن هذه الكتل لا تقوم على قاعدة حزبية، ولا يلتقي المنسَّبون إليها على برنامج جدي، ويمكن للنائب الواحد أن يكون في ثلاث كتل معاً، وأن يكون »معارضاً« في كتلة موالية، أو »موالياً« في كتلة معارضة، أو أن يوزع نفسه على »مراكز القوى« فيفيد ويستفيد!
لذلك تتواضع مطالب اللبنانيين إلى »حكومة تصريف أعمال جدية«: لا تعطل حركتها الخلافات الرئاسية، ولا تشوّه سمعتها الصفقات والسمسرات، ولا تدعي ما لا تقدر عليه فتطلق الوعود بإنجاز ما تعرف أنه كان صعباً من قبل وأنه بات اليوم في حكم المستحيل..
وعلى سبيل المثال لا الحصر: لا يطمع اللبنانيون بأن تبتدع الحكومة الجديدة حلولاً عجائبية للأزمة الاقتصادية الاجتماعية التي تعصف بهم أفراداً ومؤسسات.. ولكنهم يطمعون ألا يتسبّب الارتباك أو سوء الإدارة أو »صراع الجبابرة« على كل موضوع وأي موضوع، إلى مفاقمة تلك الأزمة التي سلّم اللبنانيون بأن قدرهم أن يتعايشوا معها حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وهم لا يطلبون رد القضاء وإنما اللطف فيه!
على سبيل المثال أيضاً: لا يطمع اللبنانيون بأن ينجز مشروع الخصخصة بمثل السحر، ولكنهم يتمنون على حكومتهم الجديدة ألا تعلق رغيفهم على هذا »الاحتمال« الذي تأكدت، بالتجربة، صعوبة تحقيقه، خصوصاً أن الاختلاف عليه يمتد من »النظري«، أي كيف، إلى »العملي« أي »بمن« و»لمن«؟!
وعلى سبيل المثال أيضاً وأيضاً: فإن العدوان الأميركي (البريطاني) على العراق قد استولد حالة من الشقاق بين العرب، بين من أيّده باعتباره الطريق الإجبارية للخلاص من الطاغية صدام حسين، وبين من أدانه واعتبره كما هي حقيقته احتلالاً لدولة عربية أساسية وذات دور لا يعوّض إن قام فيها »حكم طبيعي«، وتدميراً لأسباب حياة شعب عربي عظيم، وهيمنة على إرادته ومقدرات بلاده الغنية بدبابات »الديموقراطية« الأميركية.
ولا يطلب اللبنانيون من حكومتهم العتيدة إلا ترميم هذه العلاقات ولو بحدها الأدنى: أي منع الانتقام!
ولعل بين اللبنانيين من كان يتمنى لو جاءت هذه الحكومة أقل عدداً من ضريبة الثلاثين وزيراً، أقله من باب التواضع والتوفير.
ولعل بينهم أيضاً من كان يتمنى لو حكمت حاجة الوطن اختيار أعضائها، فتم السعي لاستقطاب أصحاب الوزن الشعبي أو الوزن العلمي ولو في مواقع »الحكماء« وتعزيزاً للثقة بها، كأن يكون فيها على سبيل المثال، ليس إلا سليم الحص، فؤاد بطرس، نسيب لحود، وبالطبع وليد جنبلاط الذي تشتد الحاجة إلى موقفه الشجاع بقدر ما تتزايد احتمالات المواجهة مع قوى »الاحتلال بدبابات الديموقراطية« الأميركية؛ و»حزب الله« الذي لا يحتاج إلى الشهادة بأهمية إنجازه التاريخي في المقاومة، ولكنه يبدو محكوماً بأن يبقى فقط في ميدان المقاومة بينما تذهب السلطة إلى… المسالمين!

Exit mobile version